يمثل النص القرآني باعتباره نصاً ادبياً تحدياً للقراءة والفهم، وبينما يتحفظ بقداسته كنص منزل من الله تعالى يختلف الكثير في قراءته وبما يؤسس لخلاف طويل بامتداد بقائه... الا الفارق يمكن في مقاربة السياق القرآني مقاربة قرائية موضوعية، توظف سياقاته التعبيرية لاجل انتاج الدلالة وفهم المطلوب.
لاشك ان رسالة النص القرآني هي رسالة افهامية بالدرجة الاساس لانه نص ابلاغي... ولهذا يجب ان تكون القراءة قراءة واعية وليس توظيفا آنانياً بمعنى الا تكون النصوص القرآنية نصوصاً فائضة عن الحاجة الا في مقام الحِجاج وما يستلزم احياناً في سبيل ذلك من اسقاط نفسي لما يعتقد به القارئ، وهنا يغاير العنوان مصداقه، فبدل ان ينطلق القارئ من النص الى المعتقد، نجده يؤمن بالمصداق ثم يتخيّر له ما يوافق قراءته من نصوص قرانية، وبما يمثله من احجاف كبير يضع الرسالة القرآنية الابلاغية في غير موضعها..
انطلاقاً من هذه الزاوية استشهدت العزيزة سارا في موضوع حواري بايات عديدة وظفّتها للدفاع عن فكرة ان دعاء غير الله تعالى كفر وشرك والتعليق في الرابط ادناه:
تعليق العزيزة سارا
ساقدم هنا قراءة للنصوص التي اوردتها ولربما لغيرها من النصوص التي يُستشهد بها في ذات الزاوية:
1) قوله تعالى ( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ )(فاطر الاية 14).
لعل من ابرز ما يقتل النص القرآني هو اجتزاؤه من سياقه، وهذا الاجتزاء ينتج دلالة اخرى بعيدة عن الدلالة المقصودة في النص او الآية .. والناظر في الآية قبل اجتزائها يفهم دلالة مغايرة (يُولِجُ اللَيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطميرٍ* إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءكمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا اسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} الملاحظ في الآية الكريمة بيان وحدانية الله وقدرته وعظمته وهو ما يشي به سياق السورة ككل، وبهذا تكون بؤرة الآية الكريمة هي في قوله (ذلكم الله ربكم له الملك)، وباستخدام لفظة (ربكم) نجد ان ذيل الآية تخص الارباب التي تُعبد من دون الله، بينما نظرت العزيزة سارا الى لفظة (تدعون) بمعنى الدعاء وليست (العبادة) بدلالة لفظة (ربكم)، واستخدام اللفظة الثانية (تدعوهم) يُفهم منه انهم مشركون بدليل (ويوم القيامة يكفرون بشرككم)
اذن: تعرض الآية موقف المشركين الذين يعبدون غير الله ويدعون اربابهم ... بينما الموضوع الذي ورد فيه التعليق لا ينتمي لهذه المسألة بتاتا، الا في زاوية اسقاط ما في النفس على النص.
2) قوله تعالى: ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) (الاحقاف اية 5).
للاية الكريمة سياق مقتطع ولو اكملنا الآية التي بعدها لعرفنا الدلالة الكاملة للاية: اذ يقول الباري في الآية 6 : (واذا حُشِر الناس كانوا لهم اعداء وكانوا بعبادتهم كافرين)
وردت لفظة (بعبادتهم كافرين) والتي اوضحت دلالة الدعاء السابقة، والذي هو تبعاً لسياق الآية ودلالة الآية التي بعدها تعني (العبادة) واستخدامها بمعنى الاستغاثة لا وجه له.
3) قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )(الاعراف اية 194)
وهنا اجد ان قول ابن منظور صاحب معجم لسان العرب في معنى لفظة (دعا)، اذ اورد الآية بمعنى (العبادة).
خلاصة الامر:
ان ما قيل وما صُنف في ابواب الدين بصورة عامة خاضع للمناقشة والقراءة، ويجب الا يحدّه عصر ما .. والا لا يمكن الجمود امام ما صُنف من مصنفات سيما وان العامل السلطوي كان لاعباً مهماً في كتابة تلك الكتب ورؤية اصحابها، وهذا ما نعاني منه الآن اذ نعيش اسقاطات تلك الحِقب السالفة، لا لشيء سوى ان احداً ما كتب مؤلفاً ورأى رأياً فلابد لنا من ان نسير عليه ونؤمن به بغض النظر عن مدى صحته او صوابه، حتى غدونا كمن اعار رأس لغيره ليفكر به او ليملأه بما فكّر وآمن به ...
.................................................. ..
هامش اول: كان مقررا ان توضع هذه القراءة في الموضوع ذاته الذي اشتمل على الرد... لكنني رأيت وضعها في موضوع منفصل حتى لا تحسب على محتوى ذلك الموضوع علاوة على اغلاقه.
هامش ثان: اتحرى بالاحبة ممن له تعليق او فكرة ما مغايرة لحدود هذه القراءة ان يضعها بعيدا عنها حتى لا تخرج القراءة عن ما تتوخاه من فائدة.
هامش ثالث: اضع ثقتي في وعيكم بأن هذه القراءة ليست موجهة ضد العزيزة سارا ، بل هي اضاءة لسؤالها كيف يمكن لنا ان نقرأ، او لتكن محاولة مقاربة النص القرآني مع احتفاظه بقدسيته.
هامش رابع: قد لا اكون ملزَماً بالرد على تعليق من يمر من هنا ... الا في حدود الاضافة المنتجة، الا اني ساضع تقييماً لكل تعليق من باب الشكر على القراءة والمرور .. وليس يعني بالضرورة اني اثني على التعليق.