الآباء الغارقون بالعرق ذوو الكرش، الذين يعودون من العمل ظهرًا ومعهم بطيخة وجريدة.. يتوارى الصِّبْية ذعرًا في غرفهم لأن هذا هو وقت تنفيذ الأم لتهديدها المخيف (هاقول لأبوك أما ييجي).. لا بد أن يُشرف على ذبح البطيخة كأنه يؤدي طقوسًا كهنوتية ما، ويتأكد بنفسه من أن البائع لم يخدعه، يجلس ليلتهم الغداء في نهم وينهيه بكمية هائلة من البطيخ، ثم يدخل لينام وقت العصر.
لو لم تكن عندهم ثلاجة يتأكد من أنه دفن السكين في نصف البطيخة وغطاها بمنشفة حتى لا تشمها الشمامة.. لا أحد يعرف كنه الشمامة بالضبط؛ لكنها كائن سام يحب البطيخ جدًا.
عندما يصحو عند المغرب لن يذهب لأي عمل لأن الراتب يكفيه، بل سيجلس -بالفانلة الداخلية وسروال البيجامة الكستور- في الشرفة نصف المظلمة على الأرض يشرب الشاي بالنعناع.. لديه مذياع صغير يفتحه ليسمع آخر أخبار الجبهة، ثم يعلن نظريته العميقة:
ـ"إسرائيل تنوي شيئًا ما.. أنا متأكد من ذلك.."ـ
فتدعو زوجته على إسرائيل.. وهكذا ينتهي الجزء السياسي من السهرة.
من مكانه هذا يدير شئون الأسرة ويصدر تعليماته.. جبل من المسئولية والثقة والهيبة. بعد هذا قد يدخل لينام ثانية أو ينزل ليقابل أصدقاءه في المقهى، أو يذهب للعزاء.. هناك دائمًا شخص مات في مكان ما، ولا بد من العزاء فيه.
هذا الأب يجيد كل شيء؛ إصلاح الصنابير التالفة، وتغيير فتيل المنصهر، وإصلاح لعبة الولد الزنبركية، وتغيير سلك المكواة.
أليس من الخسارة أن ينقرض هذا النوع أيضًا؟
احمد توفيق ولو محد راح يقرأه للنص