هذه الروايه من الطف ما قرأت ..
هذه الروايه من الطف ما قرأت ..
رواية المطر الاصفر ..
نحن نترك شيئا من أنفسنا في المكان الذي نتركه خلفنا، نحن نبقى هناك حتى لو رحلنا. وهناك أشياء داخلنا لن نعثر عليها إلا إذا عدنا للمكان ذاته. نحن نذهب إلى أنفسنا، نسافر إليها، يحملنا صوت الدوران الرتيب للعجلات إلى المكان الذي احتل مسافة من حياتنا، مهما كانت هذه المسافة قصيرة...
باسكال مرسييه
قطار الليل إلى لشبونة
المطر الاصفر
جُـمانة
..
ماراثون العمر:
من ندوب الروح التي لا طبّ لها أني كنت أقرأ في أدب السجون لكل حادثة بصورة كثيفة متقاربة؛ قرأتُ في أدب السجون السوري في وقت متقارب، وقرأت مذكرات من نجوا من سجن تزمامارت البشع بشكل متتالي، وبعدها قرأت ما سطرته عائلة الجنرال أوفقير في كتبها .
ثمة أمرٌ يستوقفني في هذه المذكرات لتماسه مع معاناة أراها شائعة؛ ألا وهو شعور اللهث لاستدراك ما فاتك من الحياة جراء تأخرك في ترتيب معين .
ينفرد عصرنا بوضع تراتب موقوت لمحطات الحياة؛ في هذا السن يفترض بك أن تكون قد أتممت دراستك، وفي ذلك السن يُنتظر منك أن تكون قد كونت أسرة، وفي السنّ الآخر مهمتك فيه كذا؛ وإلا فستحس بضغط رهيب، وأنه فاتك قطار ذلك الأمر المهم، ومهما عملت لتشعر نفسك بالرضا إلا أنك محكوم بقانون الاستدراك الزمني .
كنتُ أرى في مذكرات من سجنوا طويلًا إحساسهم بهذا الشعور، وأتلمس بأصابع روحي فكرة أنهم خرجوا من السجن لكن السجن لم يخرج منهم؛ يقول محمد الرايس -خريج سجن تزمامارت- عن شعوره الاستدراك :
"تغير كل شيء؛ من النقود إلى طريقة العيش والتفكير فوجدت نفسي أمام مجتمع كثير الطلبات، أناني، طموح ولا يرحم، لاشيء أقسى من فارق الزمن والحال أنني لن أتدارك هذا التخلف" [1]
كأنه شعور إنسان يطارد قطارًا بقدمين حافيتين، وكلما بلغ محطة قيل له: فاتك الكثير أثناء عدوك، ضاعف جهدك، لا تلتفت لصوت لهاثك .
هذا ما شاطره فيه زميله أحمد المرزوقي الذي عايش نفس المحكومية التي امتدت عشرين عامًا :
"كنتُ أندفع في سباق محموم مع الزمن محاولًا استدراك ما لايمكن أن يدرك، وفي هذا التهافت المجنون؛ كنت كالجالس على جمر، لا أستقر على قرار" [2]
وهكذا نحن الذين نعيش في سجن فكرة المهام الموقوتة في الحياة، نشعر بوطأة الزمن الذي يمر دون إتمام المهمة حسب التراتب، نتقلب على جمر كلما تأخرت الشهادة أو الزواج أو الوظيفة أو الإنجاب، بل حتى أمنياتنا الصغير لا نطيق التخلي عنها مهما بدا أن الزمن تجاوزها، نشعر وكأننا تنازلنا عن واجب أخلاقي ودَين نؤديه لأعمارنا مهما مرت السنون؛ يخيل إليّ أننا كمن تمنى دمية في العاشرة، ولا زال كلما مضى خطوة في الأربعين هتف هاتف في روحه " افرح ولكن أين الدمية !"
[1] مذكرات محمد الرايس ص355 .
[2] تزمامارت .. الزنزانة رقم 10 ص 350 .
..
الموت او النسيان ..
أبابيل
حاولوا أن تكونوا فضلاء أولا ؛ قبل أن
تفتشوا عن المرأة الفاضلة ؛ فالثمار لا
يمكن أن تظهر إلا إذا ظهرت الزهور أولا ..!
كتاب / عصر القرود
د/مصطفى محمود