بعد كل الحشود التي عرفتها في حياتك،
تأتي عليك فترة تشعر فيها بالتشبّع، بالاكتفاء واستثقال المديح ،والميل إلى الانطواء !
تكتشفُ ..
أن الحصيلة الرابحة،قلبٌ صادق واحد تأوي إليه مثلما يأوي الإنسان إلى بيته في آخر اليوم،هاربًا من وحشة الطرق وظلالها "
أيها الصغير، لو أنك تعلم ما وراء عتبة العمر، لآثرت أن تظلَّ حيث أنت، في عالمٍ لا تُثقل فيه خطاك بهموم الأرض، ولا تُقيّد روحك بأغلال الواقع.
حين نظرتُ إليك، رأيتُ عالماً نقيًّا، كلوحةٍ لم تعبث بها ألوان الأيام الداكنة، كغيمةٍ بيضاء تسبح في فضاءٍ لا يعرف الحدود. ولكن، أيها الطاهر، هل تعلم أنَّ الكبر ليس كما يبدو؟ إنه وهمٌ جميل يُزيَّن لك بوعودٍ براقة، لكنه يحمل في طيّاته أثقالًا لا تُرى، وأحزانًا تتسلّل كظلالٍ خلف نور الحياة.
في عالم الكبار، تتعلّم أن تُخفي دموعك لأنَّها ليست "لائقة"، وتكتشف أن الضحك الذي كان يومًا حرًّا يصبح مبتورًا، محاطًا بحسابات الواقع. تكبر، وتُفاجَأ بأنَّ الأحلام ليست دائمًا قابلةً للتحقيق، وأنَّ القلوب التي كنت تظنها مرافئ أمان قد تتحوّل إلى صخورٍ صماء.
أيها الصغير، لا أريد أن أُفسد براءتك، ولا أن أُطفئ بريق عينيك. لكنني لو استطعت، لجمّدت الزمن في لحظتك هذه، حيث تملك العالم بضحكةٍ واحدة، وتحلّ عقدة الحياة بنظرةٍ بريئة.
فالكِبر، يا صغيري، فخٌّ ناعم. يُقنعك أنك ستجد فيه الحرية، لكنه يسرق منك شيئًا فشيئًا طفولتك، خفّتك، وصفاء روحك. وإن كان لا بدَّ أن تكبر، فاحمل معك طفلك الداخلي؛ ذلك الطفل الذي لا يزال يندهش من زهرةٍ صغيرة، ويضحك دون خوفٍ من الغد.
ابقَ صغيرًا ما استطعت، ففي صغرنا نعيش المعنى الحقيقي للحياة، وفي كبرنا نبحث عنه.
تهامي عصام