كانت هناك فتاة قد تجاوزت الثلاثين من عمرها، أتمت تعليمها العالي وتعمل في إحدى الشركات المشهورة براتب مجزي للغاية، لديها أسرة جميلة تحبها حبا جما، ورغم كل ذلك فحالها حال كل فتاة مثلها تتوق إلى اليوم الذي ترتدي فيه ثوب الزفاف أبيض اللون.
وبيوم من الأيام تقدم لخطبتها شاب من عائلة متوسطة ولكنه مهذب وافقت عليه الفتاة، وبيوم عقد قرانهما، أمسكت والدة الشاب بطاقة الفتاة الشخصية ووقعت عينها على خانة العمر، فصرخت في ابنها: “لا تمم هذا الزواج، لقد تجاوز عمرها خمسة وثلاثين عام، إن فرصتها في الإنجاب قليلة يا بني، ومن أبسط حقوقي عليك أن أكون جدة لأبنائك”.
انساق الابن وراء كلام والدته بطريقة هوجاء، ولم يفكر لحظة واحدة في حال الفتاة التي كسر بقلبها أمام أهلها وأهله وكل الموجودين؛ أصيبت الفتاة بالهم والحزن الشديدين، ومرت الكثير من الأيام والليالي ومازالت الفتاة غارقة في بحار أحزانها، لذلك قرر والدها تغيير حالها إلى حال آخر، فأخذها إلى عمرة من أجل أن تغسل بها كل الهم الذي سيطر على قلبها الصغير وتدع أمرها كله لخالقها.
وبمجرد أن وصلت إلى بيته الحرام انهمرت الدموع من عينها وأخذت بنصيحة سيدنا يعقوب (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله)، وعلى الفور حصلت على الجواب من ربها، كانت بجانبها سيدة تقرأ الآية القرآنية: “وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ”.
وفي طائرة العودة إلى ديارها جلست بجانب شاب، وتبادلا الحديث في أمور الدنيا والآخرة أيضا طوال الرحلة، وعندما هبطت الطائرة وجدت الفتاة بالمطار في صالة الانتظار صديقتها وزوجها، فسألتها: “من أين علمتي بعودتنا؟!”
فأجابتها قائلة: “لم أكن أعلم، ولكن زوجي في انتظار أحد أصدقائه”.
وأثناء حديث الصديقتين جاء صديق الزوج، وكانت الصدفة أنه نفس الشخص الذي كان يجلس بجوارها بالطائرة، عادت الفتاة مع والدها إلى المنزل وقبل أن تغير ملابسها دق جرس الهاتف، إنها صديقتها وتبلغها بأنها قد وافقت على عرض زواجها بالشاب الذي رأته معهم بالمطار، ولا جدال حيث أنها قد اتخذت القرار المناسب لكليهما، وأنها تعرف كل منهما جيدا وعلى دراية بنفسيهما أكثر من داريتهما هما شخصيا بأنفسهم.
تم خطبة الفتاة، ولم تتجاوز فترة الخطوبة التي عاشاها بكل محبة وود سوى شهرين، وبعدها تم الزفاف، أيقنت الفتاة أن فضل الله عليها عظيما، فقد وهبها زوجا صالحا لم يكن يخطر ببالها يوما أن تنال كل ذلك القدر من العناية الربانية، وأتم الله عليها فضله العظيم حينما ذهبت إلى الطبيبة مع زوجها لمسألة الإنجاب، فأخبرتها الطبيبة بأنها حامل بالفعل وفي توأم، وبالرغم من تعب الفتاة الشديد في حملها والذي أرجعته إلى كبر سنها إلا أنها كانت المفاجأة الكبرى بيوم ولادتها، فقد وضعت اثنين من الصبيان وفتاة في غاية الجمال، إنه حقا ” إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ”.