قال مالك بن دينار في قديم الزمان ، وفي فترة من الزمن لم يكن هناك امطار بالبصرة بالعراق ، فقال مالك ذهبنا للمسجد حتى نصلي صلاة الاستسقاء وندعوا الله عز وجل ، ولكن لم ينزل الله الامطار من السماء ، فخرجت مع بعض الاصدقاء الى المسجد حتى نصلي صلاة الاستسقاء وندعو الله عز وجل .
اخذنا نصلي حتى انتصف النهار وذهب الناس الى منازلهم حزناء ، وبقيت ورجل اخر بالمصلى، فلما أظلم الليل جاء غلام اسود الوجه وهزيل الجسد و رقيق الساقين ، ويضع فوقه مئزر من صوف رخيص جدا لا يساوي درهمين، توضا ثم صلي ركعتين خفيفتين ، وبعدها رفع راسه الي السماء وقالبصوت عالي متضرعا لله :
- إلهي وسيدي ومولاي، يا من لا ترد عبادك فيما لا ينقص من ملكك انفذ ما عندك، ام فنيت خزائن ملكك؟ اقسمت عليك بحبك لي الا سقيتنا غيثك الساعه.
فما أتم الكلام حتى تغيمت السماء، وجاءت بمطر غزير، ولم نخرج من المسجد الا ونحن نخوض في الماء ، وكنا ننظر بتعجب من الفتى الأسود فاقتربت منه وقلت:
ويحيك يا أسود اما تستحي مما قلت في دعائك ، فالتفت الي وقال:وماذا قلت؟ فقلت له بغضب : قولك بحبك لي وما يدريك ان الله يحبك انت يا فتى ؟
فرد الفتى قائلا : ابتعد عني يا من اشتغل عن نفسه وشغل عقله بامور غيره ، لقد اعطاني الله ووهبني المعرفة واهداني الى التوحيد وكل هذا لمحبته لي ، فمحبته لي على قدر محبتي له.
فعرفت بانه مملوك ، وذهبنا خلفة حتى دخل دار نخاس وذهبنا خلفه ، وفي الصباح ذهبنا النخاس وقلنا له عن الغلام وعن امره ، فقال بان لديه مائة غلام كلهم للبيع ، واخذ يعرض غلاما بعد غلام حتى عرض سبعين غلاما ولم ار الفتى فيهم. ثم قال:ما عندي غير هولاء
وكنا سنذهب ولكن شاهدنا الفتى الأسود يصلي في غرفه خربه ، فقلت له : هذا الغلام ، قال النخاس :يا أبا يحيى انه غلام مشئوم نكد ليس له في الليل هم إلا البكاء، وفي النهار الا الندم. فقلت :انا أريده.
فقال النخاس :خذه بما شئت بعد أن تبرئني من عيوبه كلها ، فاشتريته بعشرين دينارا وقلت:ما اسمه؟ قال:ميمون فأخذت بيده وانطلقنا إلى المنزل فالتفت إلى وقال الفتى :يا مولاي لماذا اشتريتني، فأنا والله لا أصلح لخدمة المخلوقين.
فقلت له:إنما اشتريت لاخدمك بنفسي وعلى راسي فقال لي:ولم ذلك؟ فقلت :الست من دعى الله البارحة بالمصلى. فقال الفتى :وهل اطلعت على؟ قلت:انا الذي اعترضتك البارحة في الكلام الا تتذكرني ، مشي حتى دخل مسجد ، فصلى ركعتين ثم قال : الهي وسيدي ومولاي ما كان بيني وبينك اطلع عليه مخلوق وفضحتني فيه ، بين العالمين فكيف يطيب لي الان العيش وقد وقف على ما بينى وبينك ، اقسمت عليك الا ما قبضت روحي الساعة ، ثم سجد فانتظرته ساعة فلم يرفع راسه فحركته فاذا هو قد مات رحمه الله ، فمددت يده ورجليه ونظرت اليه فاذا هو ضاحك وقد غلب البياض على السواد ووجه يستنير ويبدوا متهلل فبينما نحن نتعجب من امره وما حدث ، واذا بشاب قد اقبل من الباب وقد احضر كفنه وتم تكفينه ودفنه امام دهشة الجميع ، فسبحان الله فما بين الله وبين عباده لا يعلمه الا الله وعندما يعز الله عبدا رفع من قدره .