حلم وتواضع الامام الحسين عليه السّلام
فقد كان الحلم من أسمى صفات الإمام الحُسين عليه السّلام ومن أبرز خصائصه، فقد كان - فيما أجمع عليه الرواة - لا يقابل مسيئاً بإساءته، ولا مذنباً بذنبه.
وإنما كان عليه السّلام يغدق عليهم بِبرِّه ومعروفه، شأنه في ذلك شأن جده الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله الذي وَسع الناسَ جميعاً بأخلاقه وفضائله، وقد عُرف عليه السّلام بهذه الظاهرة وشاعت عنه.
نقل المؤرخون: إن بعض مواليه قد جنى عليه جناية توجب التأديب، فأمر عليه السّلام بتأديبه، فانبرى العبدُ قائلاً: يا مولاي، إن الله تعالى يقول: الكَاظِمِينَ الغَيْظَ.
فقابله الإمام عليه السّلام بِبَسماته الفيَّاضة وقال له: خَلّوا عَنه، فَقَد كَظمتُ غَيظِي.
وسارعَ العبدُ قائلاً: وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ.
فقال له الإمام عليه السّلام: قَد عَفوتُ عَنك.
وانبرى العبدُ يطلب المزيد من الإحسان قائلاً: وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ.
فأجابه الإمام عليه السّلام قائلاً: أنتَ حُرّ لِوَجهِ اللهِ.
ثمّ أمر عليه السّلام له بجائزة سَنيّة تُغنيهِ عن الحاجة ومَسألة الناس.
فقد كان هذا الخلق العظيم من مقوِّماته التي لم تنفكّ عنه عليه السّلام، وظلَّت ملازمةً له طوال حياته.
وَجَبلَ الإمام الحُسين عليه السّلام على التواضع، ومجافاة الأنانية والكبرياء، وقد وَرثَ هذه الظاهرة من جَدِّه الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله الذي أقام أصول الفضائل، ومعالي الأخلاق في الأرض.
وقد نقل الرواة بَوادر كثيرة من سُموِّ أخلاقه عليه السّلام وتواضعه.
فَمِنهَا: إنه عليه السّلام اجتاز على مساكين يأكلون في الصفة، فدعوه إلى الغداء فنزل عن راحلته، وتغذى معهم، ثمّ قال عليه السّلام لهم: قَد أجبتُكُم فَأَجِيبُونِي.
فَلبّوا كلامه وخفوا معه إلى منزله، فقال عليه السّلام لزوجه الرباب: أَخرِجي ما كُنتِ تَدَّخِّرين.
فأخرَجتْ الرباب ما عندها من نقودٍ فناولها عليه السّلام لهم.
ومنها: أنه عليه السّلام مَرَّ على فقراء يأكلون كسراً من أموال الصدقة، فَسلَّم عليهم فدعوه إلى طعامهم، فجلس معهم، وقال عليه السّلام: لَولا أنهُ صَدَقة لأكلتُ مَعكُم.
ثمّ دعاهم عليه السّلام إلى منزله، فأطعمهم وكَسَاهم وأمرَ لَهم بِدَراهم.
ومنها: أنه جرَت مشادة بين الإمام الحُسين عليه السّلام وأخيه مُحمّد بن الحنفية، فانصرف مُحمّد إلى داره وكتب إليه عليه السّلام رسالة جاء فيها:
أما بعد: فإن لك شرفاً لا أبلغُه، وفضلاً لا أُدركُه، أبونا عليّ عليه السّلام لا أفَضّلك فيه ولا تُفضّلني، وأمي امرأة من بني حنيفة، وأمك فاطمة عليها السّلام بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله، ولو كان مِلءُ الأرض مثل أمِّي مَا وَفيْنَ بِأمِّك، فإذا قرأت رُقعتي هذه فالبَس رِدَاءك ونَعلَيك وَسِرْ إِليَّ، وتُرضِينِي، وَإيَّاك أن أكونَ سابقُكَ إلى الفضلِ الذي أنت أولَى بِه مِنِّي.
ولمّا قرأ الإمام الحُسين عليه السّلام رسالة أخيه سارع إليه، وتَرضَّاهُ، وكان ذلك من معالي أخلاقه وسُموِّ ذاته عليه السّلام.