بعض مناقب الامام الحسين عليه السلام
قضاء دين اسامة بن زيد
مرض أسامة بن زيد مرضه الذي توفي فيه، فدخل عليه الإمام عليه السّلام عائداً، فلما استقر به المجلس قال أسامة: واغَمَّاه.
فقال الإمام عليه السّلام: مَا غَمّك ؟
فقال أسامة: دَيْني، وهو ستّون ألفاً.
فقال الإمام عليه السّلام: هُوَ عليّ.
فقال أسامة: أخشى أن أموت قبل أن يُقضى.
فأجابه الإمام عليه السّلام: لَن تَموتَ حتّى أَقضِيهَا عَنك.
فبادر الإمام عليه السّلام فقضاها عنه قبل موته، وقد غضَّ طرفه عن أسامة فقد كان من المُتخلِّفين عن بيعة أبيه أمير المؤمنين عليه السّلام، فلم يجازيه عليه السّلام بالمِثل، وإنما أغدق عليه بالإحسان.
عتقه عليه السلام جارية له
روى أنس قال: كنت عند الحُسين عليه السّلام فدخلت عليه جارية بيدها طاقة رَيحانة فَحَيَّتهُ بها، فقال عليه السّلام لها: أنتِ حُرَّة لِوجه الله تعالى.
فَبُهِر أنس وانصرف وهو يقول: جَاريةٌ تجيئُكَ بِطَاقَة رَيحانٍ فَتَعتِقها؟
فأجابه الإمام عليه السّلام: كَذا أدَّبَنا اللهُ، قال تبارك وتعالى: وَإِذَا حُيِّيْتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا وكان أحسَنَ منها عِتقُهَا.
وبهذا السخاء والخلق الرفيع مَلَك عليه السّلام قلوب المسلمين، وهَاموا بِحُبِّه وَوِلائِه عليه السّلام.
قضاء ديّة أعرابي
كان الإمام الحُسين عليه السّلام جالساً في مسجد جَده رسول الله صلّى الله عليه وآله وذلك بعد وفاة أخيه الإمام الحسن عليه السّلام، وكان عبد الله بن الزبير جالساً في ناحية منه، كما كان عتبة بن أبي سفيان جالساً في ناحية أخرى منه.
فجاء أعرابي غارم على نَاقة فَعَقَلها ودخل المسجد، فوقف على عتبة بن أبي سفيان، فَسلَّمَ عليه، فَردَّ عليه السّلام، فقال له الأعرابي: إني قَتلتُ ابن عَمٍّ لي، وطُولِبتُ بالديَّة، فهل لَكَ أن تعطيَني شيئاً؟.
فرفع عُتبة إليه رأسه وقال لغلامه: ادفع إليه مئة درهم.
فقال له الأعرابي: ما أريدُ إلا الديَّة تامة.
فلم يَعنَ به عتبة، فانصرف الأعرابي آيساً منه.
فالتقى بابن الزبير فَعرض عليه قصته، فأمر له بمِائتي درهم، فَردَّها عليه.
وأقبل نحو الإمام الحُسين عليه السّلام، فرفع إليه حاجته.
فأمر عليه السّلام له بعشرة آلاف درهم، وقال له: هَذهِ لِقضاء ديونَك.
وأمر عليه السّلام له بعشرة آلاف درهم أخرى وقال له: هَذه تَلُم بها شَعثَك، وَتُحسِّن بها حَالك، وتنفقُ بها على عِيَالِك.
فاستولت على الأعرابي موجاتٌ من السرور واندفع يقول:
طَربتُ وما هَاج لي معبقُ وَلا لِي مقَامٌ ولا معشَقُ
وَلكِنْ طَربتُ لآلِ الرَّسولِ فَلَذَّ لِيَ الشِّعرُ وَالمَنطِقُ
هُمُ الأكرَمون الأنجَبُون نُجومُ السَّماءِ بِهِم تُشرِقُ
سَبقتَ الأنامَ إلى المَكرُمَاتِ وَأنتَ الجَوادُ فَلا تُلحَقُ
أبوكَ الَّذي سَادَ بِالمَكرُمَاتِ فَقصَّرَ عَن سِبقِه السُّبَّقُ
بِه فَتحَ اللهُ بَابَ الرَّشاد وَبابُ الفَسادِ بِكُم مُغلَقُ
الإمام مع الأعرابي
قصد الإمام عليه السّلام أعرابيٌّ فَسلَّم عليه، وسأله حاجته وقال: سمعتُ جدَّك صلّى الله عليه وآله يقول: إِذا سَألتُم حَاجَة فَاسْألوُها مِن أربعة: إِمَّا عَربيّ شريف، أَو مَولىً كَريم، أوْ حَامِلُ القُرآن، أو صَاحِبُ وَجه صَبيحٍ.
فَأما العَربُ فَشُرِّفَت بِجَدك صلّى الله عليه وآله، وأما الكرمُ فَدَأبُكم وَسيرتكم، وأما القرآن فَفِي بيوتِكُم نَزَل.وأما الوجه الصبِيح فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: إِذا أردتُم أنْ تَنظُروا إِليَّ فَانظُروا إِلى الحَسَنِ وَالحُسَين.
فقال له الحُسين عليه السّلام: ما حاجتك ؟
فَكتبها الأعرابي على الأرض، فقال له الحُسين عليه السّلام: سَمِعتُ أبي عَلياً عليه السّلام يَقول: المَعرُوفُ بِقَدر المعرفة.
فأسألُكَ عَن ثلاث مَسائلٍ، إِن أجبتَ عن واحدةٍ فَلَكَ ثُلث ما عِندي، وإِن أجبتَ عَن اثنين فَلَك ثُلثَا مَا عِندي، وإِن أجبتَ عَن الثَّلاث فَلَكَ كُل مَا عِندي، وَقَد حُمِلَت إِليَّ صرَّة من العِراق.
فقال الأعرابي: سَلْ ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فقال الإمام عليه السّلام: أيّ الأعمالِ أفضلُ ؟
فقال الأعرابي: الإيمان بالله.
فقال الإمام عليه السّلام: ما نَجَاةُ العَبدِ مِن الهَلَكة ؟
فقال الأعرابي: الثقة بالله.
فقال الإمام عليه السّلام: مَا يزينُ المَرء ؟
فقال الأعرابي: عِلمٌ معهُ حِلمٌ.
فقال الإمام عليه السّلام: فإن أَخطأه ذَلك ؟
فقال الأعرابي: مَالٌ معهُ كَرمٌ.
فقال الإمام عليه السّلام: فإِن أَخطأه ذلك.
فقال الأعرابي: فَقرٌ معهُ صَبرٌ.
فقال الإمام عليه السّلام: فإن أَخطأه ذلك.
فقال الأعرابي: صَاعقةٌ تنزل من السماء فَتُحرقه.
فضحك الإمام عليه السّلام ورمى إليه بِالصرَّة.