صور من صبر الامام الحسين عليه السلام
من الأمور الفَذَّة التي تَفرَّد بها سيد الشهداء الإمام الحُسين عليه السّلام هي الصبر على نوائب الدنيا وَمِحَن الأيام.
فقد تجرَّع عليه السّلام مَرارة الصبر منذ أن كان طفلاً، فرزئ بِجدِّه النّبيّ الأكرم مُحمّد صلّى الله عليه وآله وأمّه فاطمة الزهراء عليها السّلام، وشاهد الأحداث الرهيبة التي جرت على أبيه أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السّلام وما عاناه من المحن والخطوب. كما وتَجرَّع مَرَارة الصبر في عهد أخيه الإمام الحسن عليه السّلام وهو ينظر إلى خُذلانِ جَيشه لَه، وغَدرهم بِه، حتّى أُرغِم عليه السّلام على الصلح.
فبقي الحُسين عليه السّلام مع الحسن عليه السّلام يشاركه في مِحَنه وآلامه حتّى اغتالَهُ معاوية بالسم، وَرَامَ أن يُوارَى جثمانه بجوار جَدِّه صلّى الله عليه وآله، فَمَنعتهُ بنو أمية، فكان ذلك من أشَقِّ المِحنِ عليه.
ومن أعظم الرزايا التي صَبر عليها أنه عليه السّلام كان يرى انتقاض مبادئ الإسلام وما يوضع على لِسان جَده صلّى الله عليه وآله من الأحاديث المُنكَرة التي تغيّر وتبدّل شريعة الله.
ومن الدواهي التي عاناها عليه السّلام أنه كان يسمع سَبَّ أبيه الإمام عليّ عليه السّلام، وانتقاصه على كل هذه الرزايا والمصائب.
وتواكبت عليه المِحَن الشاقة في يوم العاشر من المُحرَّم، فلم يكد ينتهي عليه السّلام من مِحنة حتّى تطوف به مجموعة من الرزايا والآلام.
فكان يقف على الكواكب المشرقة من أبنائه وأهل بيته عليهم السّلام، وقد تَنَاهَبَت السيوف والرماح أشْلاءهُم، فيخاطبهم عليه السّلام بِكُل طُمَأنينة وثَبَات: صَبراً يا أهلَ بَيتي، صَبراً يَا بَني عُمُومَتِي، لا رَأيتُم هَواناً بَعدَ هَذا اليوم.
وقد بَصر شقيقته أمّ المصائب عقيلة بني هاشم زينب الكبرى عليها السّلام وقد أذهَلَتها الخطوب ومَزَّق الأسى قَلبُها، فَسارَعَ عليه السّلام إليها، وأمرَهَا بالخلود إلى الصبر والرضا بما قَسَم اللهُ.
ومن أهوال تلك الكوارث التي صبر الإمام عليه السّلام عليها أنه كان يرى أطفاله وعياله وهم يَضجّون من ألم الظمَأ القاتل، ويستغيثُون به من العطش، فكان عليه السّلام يأمرهم بالصبر والاستقامة، ويخبرهم بالعاقبة المشرقة التي يؤول إليها أمرهم بعد هذه المِحَن المؤلمة.
وقد صَبر عليه السّلام على مُلاقاة الأعداء الذين مَلأتِ الأرضَ جُمُوعُهُم المُتَدفِّقَة، وهو عليه السّلام وَحده يتلقَّى الضرب والطعن من جَميع الجهات، قد تَفَتَّتَ كبده من العطش وهو غير حافل بذلك كُله.
فقد كان صبره عليه السّلام وموقفه الصلِب يوم الطف من أندر ما عرفته الإنسانية.
فيقول الأربلي: شَجاعةُ الحُسين عليه السّلام يُضرَبُ بها المَثَل، وصَبرُهُ في الحرب أعجزَ الأوائلَ والأواخِرَ.
فإن أي واحدةٍ من رزاياه لو ابتلى بها أي إنسان مهما تَدرَّعَ بالصبر والعزم وقوة النفس لأوهنت قُواه، واستسلم للضعف النفسي.
ولكنه عليه السّلام لم يَعْنَ بما ابتُلِي به في سبيل الغاية الشريفة التي سَمَت بِرُوحه أن تستسلم للجَزَع أو تَضرَعُ للخطوب.
ويقول المؤرخون: إنه عليه السّلام تَفرَّد بهذه الظاهرة، فلم تُوهِ عزمَهُ الأحداثُ مهما كانت، لقد رضى بقضاء الله، واستسلم لأمره، وهذا هو جوهر الإسلام، ومنتهى الإيمان.