خلط الناس قديمًا، وما زالوا يخلطون وأنا منهم، في كتابة (ابن سيده)؛ فقد يكتبونه بالهاء أو بالتاء، وفي يوم الخميس 23 محرم 1436ه كنا نناقش رسالة الدكتوراه لابنتنا عزة بنت علي الشدوي الغامدي، وعنوانها "الأداة (حتى) في العربية: دراسة تركيبية دلالية تداولية"، وشاركنا في المناقشة أستاذنا القدير أ.د. إبراهيم الحندود من جامعة القصيم، وكان مما أفاده من ملحوظات قيمة التنبيه إلى الخطأ في كتابة كنية اللغوي (علي بن إسماعيل المرسي) فذكر للطالبة أنّ كنيته (ابن سيده) بالهاء لا بالتاء؛ ولكنّي للأسف الشديد رجعت حين أعطيت الكلمة مستأذنًا أخي بالقول إنه يكتب بالتاء، وأنّ الذين ترجموا له نصّوا على أنها منقوطة بنقطتين من فوق، نظر أستاذنا إليّ بدهشة ظاهرة؛ ولكنه لكرمه وسمو خلقه لم يراجعني في ذلك، غير أنّي شككت في الأمر على الرغم من أني نقلت قبل أيام نصًّا من شذرات الذهب منقولًا عن ابن خلّكان ينص فيه على كتابة الاسم، ليس من عادتي التوقف في ملحوظات الزملاء المناقشين؛ ولكن ثقتي بسعة صدر أخي هي ما جعلني أرتكب هذا الخطأ، رجعت لأتحقق من النص الذي نسخته من شذرات الذهب (5: 251) فإذا هو ينقل عن ابن خلّكان قوله "وسيده: بكسر السين المهملة وسكون التحتية وفتح الدال المهملة وبعدها هاء ساكنة". فالقول ما قاله أستاذنا الحندود، فلعله يقبل أسفي واعتذاري عن خطأ ووهم لا أعلم كيف تمكن من نفسي هذا التمكن الغريب.
كنت قبل سنوات مضت قد اطلعت على كتاب الدكتور عبدالكريم شديد النعيمي عنوانه (ابن سيده آثاره وجهوده في اللغة) نشرته وزارة الثقافة والإعلام العراقية عام 1984م، وأذكر أنه توقف عند كتابة كنية هذا اللغوي الضرير الذي صنّف لنا معجمين من أهم معاجمنا العربية أحدهما معجم ألفاظ هو (المحكم والمحيط الأعظم) والآخر معجم معان هو (المخصص)، جاء في (ص22) عن الكنية قوله "وهي محل خلاف، فمن المؤرخين من جعلها (ابن سيده) بالهاء الساكنة، ومنهم من جعلها منتهية بتاء التأنيث فتكون على هذا (ابن سيدة) ممنوعة من الصرف"، ونبّه الباحث إلى أن هذا الخلاف مفهوم من ورودها في الكتب المطبوعة أو المخطوطة، وأنّ هذا مظنة التحريف فلا يعتمد عليه في معرفة مذهب المؤرخين، وأنّ المعتمد عليه ما ورد عند من نصّ على كيفية كتبه، وهم قلّه كابن خلّكان في (وَفَيات الأعيان، 3: 331). وذكر قول الخوانساري "وأما ابن سيدة بصيغة التأنيث فكنية ..." (روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات، الدار الإسلامية/ بيروت، 1991م، 5: 113)، والخوانساري يورد ضبط ابن خلكان سوى الهاء، وأشار النعيمي إلى تعليق محمد محيي الدين عبدالحميد في نشرته لوفيات الأعيان على قول ابن خلّكان، وهو أنه يريد بالهاء الساكنة التاء المربوطة مستندًا إلى ضبطه "لدانية وطنجة ولبلة" وتعبيره عه ذلك بأنها منتهية بالهاء الساكنة، ولكن يرى النعيمي أنها أسماء مدن أجنبية في الأصل لا تاء فيها، وأن العرب عربتها بما يشاكل لفظها أي بفتحه وهاء وليس في كتبها بتاء مربوطة دليل على أصلها. وينتهي في (ص23) إلى ترجيح ضبط ابن خلكان، ويرى أن (سيده) مركبًا من سيد وضمير الغائب وذكر في الحاشية (17) مذهب المستشرق كولان المتخصص بلهجات الأندلس إلى استحسان قراءة (سيده) بضم الدال، وعضد النعيمي هذا بلفظ المصريين المعاصرين الاسم (عبده) بضم الدال، والملاحظ أنّ هذا النطق شائع عند غير المصريين بل من اللهجات ما حذفت الهاء ومطلت الضمة كما في اسم صديقنا النحوي المبدع (محمد عبدو فلفل)، وكان يمكن أن يسوغ نطقه بضم الدال (سيدُه) لولا نصّ ابن خلكان على فتح الدال الذي لا يجعل مجالًا لمثل ذلك.
والطريف أني حين رجعت إلى ثبت المراجع والمصادر في أعمالي المتواضعة وجدتني ملتزمًا بكتابة (ابن سيده) بالهاء لا بالتاء.