من أوراق كربلاء ... ( ٦ )
يحيى غالي ياسين
الورقة السادسة : صراعات نفسية ناجحة / الحرّ انموذجا
ذكرنا في الورقة السابقة ان اهمّ الأمراض التي ظهرت اعراضها على جيش عبيد الله ابن زياد في الكوفة بل على الكوفيين عموماً هو ظاهرة الصراع الداخلي بين القلب والعقل اللذان يميلان الى جبهة الامام الحسين ع من جهة وحبّ الدنيا والخوف من الظالم من الجهة الأخرى ، وهو ما عبّر عنه الفرزدق بقوله للإمام عليه السلام ( قلوبهم معك وسيوفهم عليك ) ، والأعمّ الأغلب قد فشل في هذا الصراع ، فعمر بن سعد ( لع ) الذي احتار بين مُلك الري او تحمّل إثم الحسين قد اختار في النهاية هذا الإثم الأعظم .. وقلوب أهل الكوفة كذلك لم تنتصر على سيوفهم ، فسلّطوها على الحسين ع ..
الّا انّ هنالك من نجح في إدارة هذا الصراع النفسي وانتصر قلبه على سيفه ، وعقله على نفسه ، انتصر عنده حبُّ الآخرة على حبّ الدنيا ، وأوضح مصاديق ذلك هو الحرّ بن يزيد الرياحي رضوان الله عليه ..
فلقد خيّر نفسه بين الجنة والنار ، حيث قال ( إنّي أُخيّر نفسي بين الجنّة والنار ) فاختار الجنة ، لاحظ معي ، لم يخيّر نفسه بين الدنيا والاخرة كما فعل عمر بن سعد ، بل بين حُسن الآخرة وسوءها ، فاختار أحسنها ..
كان الحر قائداً في الكوفة وعلى رأس الف فارس ، وهو اول من كُلّف بمهمة صدّ قافلة كربلاء من الدخول الى الكوفة ، وقد شهد له معسكره يوم الطف أنه اشجع من في الكوفة .. اي أن الدنيا مفتوحة أبوابها على مصراعيها للحرّ ، ورغم ذلك كان عقله وإرادته اقوى من سيفه ونفسه ، فاستطاع ان يختار ويُحسن الاختيار ..
ظاهرة الحر بن يزيد الرياحي من الظواهر التي ينبغي التوقف عندها دراسةً وتحليلاً وعبرةً ومنهجا ، ولعل حادثة السحرة القرآنية في ذلك الموقف الذي كان أمام فرعون وملأه والناس من أقرب الامثلة القرآنية لظاهرة انتصار إرادة الحرّ ورجاحة عقله ، فوقفوا مع موسى رغم خطورة الموقف وحراجته ..
ولا بدّ من التنويه الى أن بعض شهداء الطفّ قد خرجوا أول الأمر مع جيش عمر بن سعد على الأمام الحسين ع الّا انهم انقلبوا الى جبهة الإمام بعد ذلك واستشهدوا معه ، مثل :
+ جوين بن مالك التميمي
+ القاسم بن حبيب الازدي
+ عمر بن ضبيعة التميمي
+ الضرغامة بن مالك التغلبي
+ الحارث بن امرؤ القيس الكندي
هذه هي حُسن العاقبة التي نسأل الله ان يرزقنا بها بعد طول جفاء وبُعد مسافة عن جادة الحق ..
مع ورقة اخرى ان شاء الله تعالى ..