من أوراق كربلاء ... ( ٥ )
يحيى غالي ياسين
الورقة الخامسة : دراسة كربلاء من جهة الطرف الآخر
نستغرق كثيراً في دراسة كربلاء من جانب ابي عبد الله الحسين عليه السلام وأهل بيته واصحابه ، ونبذل الوسع في استنطاق الثورة من هذه الجهة المباركة ، نريد أن نعرف كل شيء عن كربلاء ، اهدافها ، فلسفتها ، نتائجها ومظلوميتها من الطرف الذي يقوده الحسين ع .. ولكن لم نبذل نفس الجهد ولا نصفه ولا أقل من ذلك في دراسة وقراءة كربلاء من الجانب الآخر ، من جهة معسكر عمر ابن سعد ، وولاية ابن زياد للكوفة ، لم نتعمق في معرفة الجانب الذي يتربع على رأس قائمته يزيد بن معاوية عليه لعائن الله ..
كربلاء ليست للحسين ع فقط ، وانما عمر بن سعد ايضاً عنده كربلاء ، وحرملة من صنّاع كربلاء ، وابن زياد من مفكري ومنفذي كربلاء .. للطف شاطئان ، شاطىء عليه العباس ع وشاطىء عليه اربعة الاف مقاتل ، رغم أنهم على نفسه الشريعة ولكن المسافة بينهم كبيرة بقدر المسافة بين الحق والباطل ..!
ولعل دراسة كربلاء من جهة الظالم تكون اسهل واسرع ، لأنها من جهة المظلوم قد تكون عميقة وتتصل بالغيب ، لها فلسفتها ومعادلاتها المشفرة الكثيرة ، غير أن معادلة القاتل في العادة جداً بسيطة ، لأنها طافحة بظواهر الإنسان الدنيوية ، ومملوءة بمحركات البشر الأرضية ، كالطمع بمال ، او حب بجاه ، أو خوف من ظالم ، او حفاظ على نفس .. الخ ، وهذه المحركات هي من صميم حياتنا ، نعيش تفاصيلها بشكل يومي وإن كانت المستويات مختلفة قوةً وضعفا .. مما يجعل تناولها بالنسبة لنا تناولاً وجدانياً لا غرابة فيه ..
فمن إحدى معادلات كربلاء من طرف معسكر الكوفة مثلاً هو قانون ضعف ووهن الإرادة الذي أوضحه الفرزدق بكلمات بسيطة ولكنها اصابت كبد الحقيقة عندما سأله الأمام عن أهل الكوفة ، فقال له ( قلوبهم معك وسيوفهم عليك ) ..!! هذه الحقيقة التي نعرفها جميعاً ، لأنها تُستشعر كثيراً في ابسط أمورنا الحياتية ، كم خالفنا عقولنا وسحقنا على ميل قلوبنا لسبب تافه من هنا وهناك .. ! بينما يصعب علينا أن نعيش حالة جون رضوان الله عليه لأننا لا نستطيع أن نتخلّى دائماً عن كل شيء ، حتى عمّا يغطي أجسادنا في سبيل المبدأ وفي سبيل ما يمليه علينا الموقف مع الحق حينها .. وبالتالي فإن التفسير النظري لحالة جون مهما تعمّق لا يصل بنا الى ما يصل اليه الوجدان الذي نعيشه كثيرا ..!
ومثال آخر من الطرف الآخر لفهم كربلاء نأخذه من عمر بن سعد ، قائد معسكر الكوفة ، ماذا تتوقع بأي فلسفة خرج بوجه الحسين ع وصنع ما صنع في عاشوراء..!! هل نزل عليه وحي ..! أم هل اجتهد في تفسير آية واخطأ ..! ابدا ، كل ما هنالك أن ملك الري قد أعمى بصيرته ، طمعه جعله يقتل الحسين وآله وصحبه .. فهو اذن ممن أيّد وطبّق معادلة الفرزدق على أصولها واتّبع مضمونها على ادق وجه ، وقد عبّر عنها بكل صراحة حين قال :
فوالله ما أدري وإني لحائر + أفكر في أمري على خطرين
أأترك ملك الري والري منيتي + أم أرجع مأثوما بقتل حسين
بهكذا ضحالة صنعوا هؤلاء كربلاء ، وبهكذا امراض وقعت كربلاء من قبل الطرف الاخر .. بهكذا بساطة يمكن لنا قراءة الطف ، معرفة الاشياء بأضدادها من أصول المعرفة وادوات الإثبات وقوانين المنطق البشري ..
هي دعوة لمعرفة كربلاء من وجهها الآخر ..
مع ورقة اخرى ..