انظُرْ إلى نص الحَديث كيف اتصلَ صدرُه بعجُزه من غير رابط لفظي، وهو من باب: ترك العاطف بين الجملتين لكمال الاتصال:
ورَدَ في صحيح البُخاري كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن من أن يحبطَ عملُه وهو لا يشعرُ:
عن ( المعرور ) قال لقيت أبا ذر بالربذة وعليه حُلة وعلى غلامه حُلة فسألته عن ذلك فقال إني سابَبتُ رجلاً فعيَّرتُه بأمّه فقال لي النبي صلى الله عليه وسلّم: يا أبا ذر أعَيَّرتَه بأمّه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانُكم خَوَلُكُم جعلهم الله تحت أيديكم؛ فمَن كان أخوه تحتَ يدِه فليُطعمْه مما يأكلُ وليُلبِسْه ممّا يَلبَسُ ولا تُكلِّفوهم ما يغلبُهُم فإن كلَّفتموهُم فأعينوهم.
فيه ترك العاطف بين الجملتين لكمال الاتصال بينهما فنزلت الثانية من الأولى منزلة التأكيد المعنويّ من متبوعه في إفادة التقرير مع اختلاف في اللفظ .
انظُرْ إلى نص الحَديث كيف اتصلَ صدرُه بعجُزه من غير رابط لفظي، وهو من باب: ترك العاطف بين الجملتين لكمال الاتصال، وفي نص الحديثِ أيضاً تقديمُ الإخوان على الخَوَل [وهم أتباع الرجل الذين يَملكُ أمرهم ويقضي حاجاتهم] ، والأصلُ: خَوَلُكم إخوانُكم، فقدّم إمعاناً في اتصالهم بالمُخاطَبين كاتصال النسَب ومن أجل العنايَة والاهتمام أيضاً.
والأمر المعنويّ المترتّب على بلاغَة الحديث : بلاغَة المَعْنى: فلا يحقّ تعيير المرء بالدّنوّ وبنزول المنزلَة، وهذا يُحذَّر الناسُ منه في كلّ زمان ومَكان: فلا يجوزُ تعييرُ جهة في البَلَد الواحد والوطن الواحد لجهة أخرى، كتعيير قوم لقوم بأنهم بأنهم دُخلاءُ، ثمّ يُنصّبُ المُعيِّرُ نفسَه صاحب البَلَد في الأصل وصاحبَ الحضارَة والمُخوّلَ بزمام أمورها، وهذا بيّن في كثير من البُلدان يُعيّر أهلُها جيرانَهم وبَلَديِّيهم، وإذا وفدوا عليهم لمْ يُكرموا وفادتهم