كثيرٌ من البُحوث والأوراق العلميّة في الندوات والمؤتَمَرات التي تتناول موضوعَ تنشئة الطّفلِ على لُغته الأمّ يُلاحَظُ فيها أنّ كلّ ورقةٍ تحصرُ نظرَها في زاويةٍ معيّنةٍ و تَرجعُ عَواملَ التنشئة اللغوية الصحيحَة إلى ملازمة مُقتضيات المنهج الذي تفرضُه تلك الزاوية، ويتَفاوتُ الباحثون في تعيين المشكلات واقتراح الحُلول والوصايا؛ فمنهم مَن يَرجعُ الفضلَ إلى ما يَدعوه بنظرية الفطرة والممارسَة، ومنهم مَن يَحصرُ النّظر في إعداد برامج الأطفال في دُور الحضانة والمؤسسات التعليمية، ومنهم مَن يُولي ألعابَ الأطفال وبرامجَهم الإعلاميّةَ العنايةَ القُصْوى....
ولكنّ الزّوايا المتعدّدةَ لن تتمكّنَ من حُسن تَدبير موضوع التنشئة اللغوية للطفلِ إذا أقفلَت البابَ على نفسها واستعْلَت على الإشكالات الأخرى التي تتحكّم في المجتمَع برمّته؛ وأهمّ منظورٍ ينبغي النظرُ منه إلى القضيّة هو وضعُ تخطيط لغويّ أو سياسة لغويّة شاملة لإدارة أزمة التنشئة اللغويّة، هذا التّخطيطُ Planning ، يضبطُ عناصرَ المشهد اللغوي في المجتمع الواحد المتعدد اللغات واللهجات والأعراق والقوميات والثقافات ، ويُعالجُ التخطيطُ اللغويُّ مواضيعَ ذاتَ أهمية بالغة، منها قانون أو قوانين التخطيط Status planning، ومدونة التخطيط Corpus planning، وأهمية الكفايات اللغوية في التخطيط Acquisition planning
فالتخطيط أو السياسَة اللغوية هوالمنهج الأمثلُ لمعالَجَة إشكال التنشئة اللغوية وتدبير المشكلات اللغوية في المجتمَع Planning and Policy ومُقتضى ذلك أن يجتمعَ ذوو الشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعلمي والتعليمي والإعلامي ومنظمات المجتمَع المَدَني والخُبَراء والأكاديميون ومراكز البحث الاستراتيجية وغيرها من الجهات المؤثرة في القرارات والمنتجة للمعرفة والفكر والفعل والصانعَة للحَدَث ، وأن ينظروا في الإشكالات المُثارَة في ملف التنشئة اللغوية للطفل وكلٌّ يَقترحُ مبادرَتَه في انسجام معَ المبادرات الأخرى وفي تنسيق دقيق اعتقاداً جازما منهم أنّ القرارَ الأمثل لوضع سياسة لغوية للمجتمَع يملكُها الجميعُ ويتفقُ على جَلب مَصالحها ودَرء سلبياتها الجميع، في نسق مترابط، أما إذا غابَت عن المشهدِ الاجتماعيّ هذه السياسة وهذا التخطيطُ فلن نصلَ إلى حل وسيظلٌّ كل باحث أو مؤسسة أو جهة من جهات المجتمع والدولَة تغرّدُ وحدَها معزولةً ولن يَكونَ لتوصياتها صدى ولا استجابة