عرض ثلاثي الأبعاد لرأس قط محنط، والأضراس الأولى السليمة للفك السفلي (ساينتفك ريبورتس).
كشفت الأشعة السينية عالية الدقة النقاب عن التاريخ الغامض لحياة 3 مومياوات من الحيوانات المصرية، حيث خضعت قطة وثعبان وطائر تم تحنيطها جميعا في مصر القديمة لفحوص مكثفة ساعدت على فهم كيفية الاحتفاظ بها وإجراءات تحنيطها المعقدة.
كما كشفت النتائج البحثية -التي نشرت في دورية "ساينتفك ريبورتس" (Scientific Reports) في 20 أغسطس/آب الجاري- عن أسباب نفوق الحيوانات المحنطة التي قد تكون بمثابة قرابين للآلهة المصرية.
وقدمت النتائج البحثية نظرة ثاقبة جديدة عن تفاصيل دقيقة لعمليات التحنيط القديمة، وعن علاقات قدماء المصريين بالحيوانات، والمعاملة التي تلقتها، وظروف معيشتها قبل الشروع في تحنيطها، والأدوار التي لعبتها تلك الحيوانات في حياتهم الروحية المعقدة منذ آلاف السنين.
تصوير ثلاثي الأبعاد
استخدم فريق من الباحثين بجامعة سوانسي (Swansea University) في ويلز بالمملكة المتحدة فحوص التصوير المقطعي المحوسب الميكروي (microCT)، كأداة لدراسة المومياوات، لإنتاج صور بدقة أعلى بكثير من الأشعة المقطعية الطبية، من 3 مومياوات من مجموعة مركز مصر في متحف الآثار المصرية بالجامعة.
في حين أن الأشعة السينية ثنائية الأبعاد موجودة لكل عينة حيوانية، إلا أنها لا تقدم سوى القليل من المعلومات عن العينات، لذلك استخدم ريتشارد جونستون، المهندس وعالم المواد في جامعة سوانسي، وزملاؤه ماسحا ضوئيا يعمل بتقنية التصوير المقطعي المحوسب الميكروي لمعرفة ما يكمن تحت أغلفة مومياوات الحيوانات.
تقدم هذه التقنية تصويرا ثلاثي الأبعاد بالأشعة السينية، بالطريقة نفسها المستخدمة في فحوص المستشفيات، ولكن على نطاق صغير وبدقة متزايدة بشكل كبير، وتشير كلمة "ميكروي" إلى قياس البكسل، حيث يكون من مرتبة الميكرومتر.
الدراسة كشفت النقاب عن التاريخ الغامض لحياة 3 مومياوات لحيوانات مصرية: طائر، وقطة، وثعبان (ساينتفك ريبورتس)
ويستخدم هذا التصوير في الحيوانات والأجسام الصغيرة، ويماثل الفحص المجهري ثلاثي الأبعاد، حيث يتم تصوير البنية الداخلية الدقيقة للأجسام بشكل غير مدمر، وبدقة عالية، وتستخدم هذه التقنية لإنشاء مقاطع عرضية في جسم ثلاثي الأبعاد من أجل إنشاء نموذج للجسم من دون الحاجة لتحطيمه.
وقال ريتشارد جونستون في البيان الصحفي للدراسة المنشور على موقع يوريك أليرت (Eurek Alert) إنه "باستخدام التصوير المقطعي المحوسب الميكروي يمكننا بشكل فعال إجراء تشريح لهذه الحيوانات، بعد أكثر من ألفي عام من موتها في مصر القديمة".
وأضاف "مع دقة تصل إلى 100 مرة أعلى من الفحص الطبي بالأشعة المقطعية، تمكنا من جمع أدلة جديدة حول كيفية معيشة هذه الحيوانات وموتها، والكشف عن الظروف التي احتجزت فيها، والأسباب المحتملة للوفاة".
هذه الظروف كانت واضحة في حالتين: تم خنق القطة، وكسر عنق الثعبان، كما عانى الثعبان من تلف كلوي، ربما نتيجة الحرمان من الماء قرب نهاية حياته.
صناعة التحنيط
قام قدماء المصريين بتحنيط الكثير من الحيوانات، وتم العثور على ملايين الحيوانات المحنطة، لدرجة إنه يمكن اعتبارها صناعة كاملة.
كانت بعض المومياوات لحيوانات أليفة مدفونة مع أصحابها في المدافن البشرية، وكان بعضها من الحيوانات المقدسة التي كانوا يعبدونها أثناء حياتها، ويتم تحنيطها بعد نفوقها، لكن الأغلبية العظمى من الحيوانات المحنطة تم أسرها من البرية، لكن الأدلة البحثية تشير أيضا إلى أن العديد من الحيوانات تمت تربيتها في "مزارع المومياوات" لهذا الغرض الصريح.
مطبوعات ثلاثية الأبعاد لجمجمة من مومياء القط وجمجمة مومياء الثعبان (دورية "ساينتفك ريبورتس").
القطة كانت على الأرجح مستأنسة (Felis catus)، وعمرها أقل من 5 أشهر عندما ماتت، كما يتضح من الأسنان الموجودة في عظم الفك، وكان عنقها مكسورا، لكن ليس من الواضح إذا كان هذا الكسر هو سبب نفوقها، أو إذا كان الضرر قد حدث بعد نفوقها.
كان التعرف على الطائر أصعب قليلا، فإنه يشبه إلى حد كبير العوسق أو العاسوق (Falco tinnunculus)، الذي يسمى أيضا "صقر الجراد"، وهو يتواجد بكثرة في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا، ولكن من غير الواضح كيف مات، حيث لا تظهر أي علامات اختناق أو كسر في الرقبة.
على النقيض من ذلك، كانت بقايا الكوبرا المصرية (Naja haje) الصغيرة -وهي ثعبان من جنس الكوبرات الحقيقية التي تتميز برأسها الكبير وعيونها الواسعة- كاشفة للغاية، حيث كانت تشير فقراتها المخلوعة ووجود أضرار جسيمة في الجمجمة إلى أنها تعرضت لمعاملة سيئة.
كل ما سبق قد يكشف عن صورة قاتمة إلى حد ما للطريقة التي تعامل بها المصريون القدماء مع الحيوانات التي قدموها قرابين للآلهة، وقد يؤدي استخدام هذه التقنية الفريدة الجديدة إلى الكشف عن المزيد من الأسرار الغامضة المرتبطة بالتحنيط في الأيام القادمة.