من أوراق كربلاء --- ٢
الورقة الثانية : لماذا كربلاء .. ؟
هذه الورقة تحمل سؤالاً مهمّاً ايضاً قد اهتم به المعنيون في القضية الحسينية فكراً ومنهجا وهو : لماذا كربلاء ، دوافعها وفلسفتها واهدافها ..؟
وبعد أن تعددت النصوص الصادرة عن الإمام عليه السلام المعللِة لقيامه المبارك والمفسِرة لأسباب نهضته ، يكون التبرّع وإعمال الفكر في الإجابة لا مسوّغ له على المستوى الأول من الإجابة وإن كان يحتاج الى ذلك فيما بعد كما سنبين ..
الّا أنّ المشكلة التي نواجهها في هذه النصوص المبيّنة لأسباب ثورة الحسين ع هو التعدد مع الاختلاف رغم صدورها في فترة متقاربة قُبيل الثورة وتحديداً من لحظة عزم الإمام ع على الخروج من المدينة مروراً بمكة ووصولاً الى كربلاء . حيث أن هذه النصوص منها ماكان صادراً ابتداءً من الإمام ع ومنها ما كان جواباً لسؤال الاشخاص الذين يلتقون به ويستفسرون عن نهضته والتي نقلها لنا التأريخ ..
ولقد ثبّت المحقق السيد المقرّم رأيه اتجاه هذه النقطة - وهي اختلاف النصوص الصادرة عن الإمام فيما يخص سبب القيام - : { وإنما لم يصارح بما عنده من العلم لكل من رغب في إعراضه عن السفر الى الكوفة لعلمه بأن الحقائق لا تفاض لأي متطلب بعد اختلاف الأوعية سعة وضيقاً وتباين المرامي قرباً وبُعدا ، فلذلك عليه السلام يجيب كل احد بما يسعه ظرفه وتتحمله معرفته وعقليته .. } مقتل الحسين للمقرم ٦٥_٦٦
ولقد أعطى فضيلة الاستاذ علي الشاوي في الجزء الاول من موسوعة ( مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة ) ثلاث نقاط ينبغي ملاحظتها لمعالجة هذا الاختلاف والتخلص منه بقدر ما ، وهي :
١. معرفة هوية المُخاطَب في تلك النصوص
٢. النظر الى هذه النصوص كوحدة في مجموعها
٣. ردّ المتشابه منها الى المُحكم
ولا بدّ من إعطاء امثلة لبعض النصوص الشريفة الواردة عن الإمام عليه السلام كأجوبة للسؤال المُثار :
[ إنَّا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله ، وبنا ختم ، ويزيد فاسق ، فاجر شارب الخمر ، قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق والفجور ، مثلي لا يبايع مثله ] قوله عليه السلام للوليد والي المدينة عندما طلب منه مبايعة يزيد ( لع ) .
[ لو لم أعجل لأُخذت ] جوابه عليه السلام للفرزدق عندما قال له : ما أعجلك عن الحج ؟!
[ وإني أستخير الله وأنظر ما يكون ] جوابه عليه السلام لعبدالله بن عباس حين حذره من التوجه الى العراق .
[ يا عبد الله ، ليس يخفى عليَّ الرأي ، ولكن الله لا يُغلب على امره ] قوله عليه السلام لعمرو بن لوذان حينما أشار عليه بعدم التوجه الى الكوفة ..
[ فلا بد لي إذن من مصرعي ] قوله عليه السلام بعد ان قرأ كتاب عمرة بنت عبد الرحمن والتي قالت في كتابها : أشهد لحدثتني عائشة انها سمعت رسول الله ص واله يقول " يقتل حسين بأرض كربلاء " .
[ يا أماه ، قد شاء الله عز وجل أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواما ، وقد شاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشرّدين .. ] قوله عليه السلام لأم سلمة رضي الله عنها .
[ جئت تنهاني عن المسير ، ويأبى الله الا ذلك ] من جوابه للأوزاعي .
ونصوص كثيرة وردت في تأريخ كربلاء وكل منها يعتبر جزءً من الحقيقة ووجهاً من وجوهها ، حيث يفسح عنها عليه السلام بحسب ما يراه مناسباً ..
اما ما بعد حدوث الواقعة وبعد اقتطاف ثمار كربلاء ولمس حِكمها لمس اليد ، وبعد ان بانت كراماتها ومعاجزها ، وتوضحت وجوه ونوايا الفريقين خير وضوح ، ومعرفة من هو الجاني ومن هو الضحية ، وماذا أراد ان يكسب القاتل وما هي مكتسبات المقتول .. اصبح الجواب اكثر وضوحاً والنصوص بالنسبة لنا أكثر فهماً .
بكربلاء استطاع عليه السلام أن يجمع افضل نتيجتين ممكنتين ، الشهادة التي نال بها كرامة الدنيا والآخرة ، والفتح الذي به يُحفظ الدين وتُصان رسالة النبي الأمين ، وستتبين الحكمة بكامل أطرافها وجوانبها عندما تتكلل النتائج على يد ثورة ولده المهدي عجل الله تعالى فرجه والذي سيقوم بشعار : يا لثارات الحسين ، سوف ينتفض لأهداف الحسين ويأخذ حقها كاملةً من كل ظالم لها ..
مع ورقة أخرى ..