في إحدى المملكات العظيمة كان هناك ملكا صالحا وعاقلا يتحير الجميع في مدى عقلانيته التي يمتلكها، ولديه زوجة في منتهى الجمال والرقة وبكل يوم عن سابقه يزداد جمالها هبة من الرحمن، ولديه ابنة وحيدة تشبه والدتها في جمالها الساحر الخلاب ووالدها الملك في حكمته وعقله، وكانت المملكة بأسرها تغمرها السعادة والرخاء إلى أن مرضت الملكة الأم مرضا شديدا حير الأطباء، وكلها أيام قلائل حتى وافت الملكة منيتها راحلة عن الحياة تاركة خلفها ابنتها الصغيرة والتي أصبحت لوالدها بمثابة حياته كلها والدنيا بما حوت؛ اهتم والدها الملك بها كثيرا ورعاها بكل حنان وحب حتى كبرت الابنة وصارت شابة جميلة محبوبة من كل من بالمملكة لجمالها ورجاحة عقلها.
قرار تزويج الأميرة الصغيرة:
وما أن استوت الابنة واستوى عودها حتى صار الأمراء يرسلون في طلب الزواج منها من شدة وصف الجميع لها بأنها أجمل الجميلات، ومن بين تلك عروض الزواج وافق الأب الملك على تزويجها من أحد الأمراء لتوسيع رقعة ملكه، ولكن الأميرة بمجرد أن سمعت الخبر رفضت رفضا شديدا إذ أنها لا تعرفه ولا تحب أن تتزوج بهذه الطريقة التقليدية.
حيل الأميرة:
طلبت الأميرة من والدها صنع ثلاثة فساتين جديدة من أجل الاستعداد لزفافها، الأول يحمل اللون الذهبي للون الشمس، والثاني يحمل اللون الفضي كالقمر، أما الثالث فيكون مشعا كالنجوم التي تلمع بالسماء، وصنع معطفا من فرو ألف من الحيوانات، ظنت الأميرة أن حيلتها ستمكنها من كسب الوقت للتفكير في حل لمشكلتها، ولكن والدها أمر أمهر صيادي المملكة باصطياد ألف حيوان، كما أمر أمهر خياطي المملكة بحياكة الفساتين، وتم تنفيذ طلبات الأميرة في وقت لم تكن تتخيله حتى.
هروب الأميرة:
قررت الأميرة الفرار بعيدا عن المملكة، أخذت معها الثلاثة أثواب الجدد ومن مجوهراتها الثمينة أخذت خاتما وقرطا وعقدا ذهبيا؛ وفي طيات الليل الكحيل حملت نفسها وانصرفت من القصر بعدما طلت نفسها بمادة سوداء حتى تتنكر وارتدت معطف الفرو، وأخذت تسير حتى تعبت من كثرة السير، وبجوار أحد الأشجار استلقت وغاصت في نوم عميق.
وللقدر كلمته:
وفي صباح اليوم التالي استيقظت الفتاة على وجه شاب وسيم خرج للاصطياد مع جنوده، فأخبرته بأنها فتاة فقيرة ويتيمة وتوسلت إليه أن يأخذها معه، لقد كانت خائفة من ظلمات الغابة والحيوانات التي تملأها؛ وبالفعل ذهبت الأميرة الجميلة المتنكرة إلى القصر، عملت الأميرة بالمطبخ كمساعدة لكبير الطباخين، فكانت تشعل له النيران وتجلب الحطب والماء، وأعطوها بالقصر غرفة صغيرة تحت السلم وتلك كانت الأنسب لفتاة فقيرة بيدين ووجه مطليتين بمادة سوداء.
حفلات بالقصر:
كانت كثيرا ما تُسمع تلك الفتاة ليلا تبكي في غرفتها، وبيوم من الأيام أقيم حفلا راقصا من أجل الأمير الوسيم، استأذنت الفتاة من كبير الطباخين بحضور الحفل من بعيد لمشاهدة الأميرات الجميلات، فأذن لها لمدة نصف ساعة مراعاة لأعمالها الكثيرة، وعلى الفور ذهبت الفتاة وارتدت فستانها الذهبي وكان لديها شعرا كثيفا ذهبيا يخطف الأنظار وبجمال وجهها وبياضها البراق كادت تخطف قلوب كل الحضور، تعجب الجميع من الجميلة الغامضة التي لا يعلم أحد عنها شيء، اختارها الأمير من بين كل الموجودات ورقص معها ولاحظ خاتمها اللامع بإصبعها ودقق به، وأثناء رقصها مع الأمير تذكرت طلب رئيسها فأسرعت عائدة إلى المطبخ بعدما تنكرت في زيها من جديد، ارتدت الفرو وطلت جسدها الجميل بالمادة السوداء.
طلب منها كبير الطباخين طبخ الحساء الخاص بالأمير، فأعدته بكل حب ووضعت في قعر الإناء خاتمها الذهبي، وبعدما أكل الأمير رأى الخاتم فأخذه وسأل من أعد الحساء، فأحضروا الفتاة وعندما سألها عن الخاتم وكيف وصل لطبقه أنكرت؛ وثانية أقيمت حفلة راقصة من أجل معرفة الجميلة المجهولة، وكالمرة السابقة استأذنت فتاة المطبخ (الأميرة الجميلة المتنكرة) وارتدت ثوبها المضيء بضوء القمر وجذبت نظر كل الحاضرين، وبهذه المرة ارتدت قرطها الذهبي، واختارها الأمير للرقص معها وبمنتصف الرقصة انصرفت مسرعة وإلى غرفتها بالتخفي وتنكرت من جديد، وذهبت لتعد الحساء الذي أحبه بشدة من يديها الأمير ووضعت بهذه المرة القرط الذهبي بقاع الإناء، ومن جديد سألها الأمير وهو في حيرة من أمره ولكنها أنكرت معرفتها بالقرط الذهبي.
وللمرة الثالثة على التوالي أمر الأمير بإقامة حفلة راقصة، وكعادتها استأذنت وبهذه المرة ارتدت ثوبها المتلألئ كالنجوم، وكاد الأمير قلبه يقتلع من مكانه من شدة لهفته على فتاة قلبه الغامضة أمسك على يدها بقسوة بها كل المعاني التي يحملها لها في قلبه، جاءت لحظة رحيلها ولكنه منعها، تأخرت على موعدها ولكنها بالنهاية تمكنت من الإفلات منه، ولكنها لم تتمكن من خلع ثوبها فارتدت المعطف فوقه ولم تطلي نفسها بالمادة جيدا ولم تتمكن من خلع عقدها الذهبي، وأعدت الحساء وهي وتقدمه ظهر طرف ثوبها فجاءت تخفيه تبين لون جسدها الأبيض، والعقد الذهبي في رقبتها، جذبها الأمير في أحضانه.