1- التنشئة الاجتماعية:
التَّنشئة الاجتماعيَّة: The Socialisation إخراجُ الناشئة على هيئةٍ تربويّةٍ اجتماعيّة، تَقومُ على تَوجيه نَشاط الأفراد من نطاقِ الأغراض الشَّخصيَّة إلى تَحقيق الأهداف الاجتماعيّة العامّة، حتّى يَندمجَ في الحياة الاجتماعيّة، أمّا التنشئةُ الاجتماعيّةُ للغة الطّفلِ فَهي حملُه على تعلُّم اللغة الأمّ التي يفتحُ عينيه عليْها ويتربّى في وسَطِها ويَتداولُها مُجتمعُه، وتَنميتُها وتَطويرها وفقَ سياسةٍ أو خطّةٍ يُراعَى فيها تهيئةُ الوَسط الذي يعيش فيه الطفلُ، وتخطيطُه لتصحيح أشكال الأداء اللغوي عنده وزيادة حصيلته اللغوية، مُفرداتٍ وتَراكيبَ ومَعانيَ، وتقديم تجاربَ لغوية من شَأنها أن تستثيرَ قُدراتِ الطِّفل ودَوافعَه وتُنمِّيها على الاستخدام الأمثَل للغة تَحقيقاً للتواصل الاجتماعيّ واكتساباً للمعرفَة. ولا يُتصورُ للتنشئة اللغوية من سياسة وتصميم في المجتمَع إلاّ في ضَوء جَوانبِ النّموّ اللّغوي ومبادئه، وخصائص لغة الطفل ومتطلبات تنميتها. أمّا آليات النّموّ والتنشئَة اللغويّة على المَهارات اللغوية في المجتمَع فهي كثيرةٌ ، على رأسها: تدريبُ الطفلِ على تمثُّلِ المَعاني، واكتسابِ النحو، ومهارات الاسْتماع، والتّواصُل، وغير ذلكَ...
2- أثر السياسة اللغوية في تنشئة الطفل:
تُحاولُ هذه الكلمةُ أن تُثيرَ إشكالاً رئيساً من إشكالات الدراسات اللسانية الاجتماعية والدراسات اللسانية السياسية، هو السياسَة اللّغويّة [******** policy] في المجتَمَع العربيّ، هلْ توجَدُ سياسة لغويةٌ عربيّةٌ واضحةُ المَعالم، تتضمّنُ تخطيطا معيناً لما ينبغي أن تَكونَ عليْه تنشئة الطفل العربي الاجتماعيّةُ على اللغة العربية الفصيحَة وعلى القيم الثقافية، وذلكَ من خلال البَحث عن إمكانِ وُجود تصور أو سياسة للتربية والتكوين والتعليم، تعتمدُ على تحسين بيئة التنشئة اللغوية العربية، وتجديد بنية التعليم ومحتواه وأدواته ومناهجه.
لا شك أنّ للتنشئة الاجتماعيّةً أثراً حاسماً في التنشئة اللغوية؛ لأنها مَسلكٌ من مَسالك بناء شخصية الطفل وتكاملها، وعبرَ هذا المسلك يكتسبُ الطفلُ العادات والتقاليدَ والثقافَة والتعليم والمعرفَة عموماً، وتُعدُّ المؤسساتُ الاجتماعيّةُ أهمَّ وسائط التنشئة اللّغويّة، لأنها منابعُ المَهارات والمعارف الأولى التي يتلقّاها الطّفلُ، والمؤثّرُ - إيجاباً أو سلباً - في مسارِ المعارفِ اللّاحقَة. ويتوزّعُ البحثُ في هذا الموضوعِ، منهجياً، على مجالات إنسانية واجتماعيّة كثيرةٍ منها علمُ الاجتماع وعلم النّفس وعلم اللغة وتَحليل الخطاب الاجتماعيّ.
أما علاقَة التنشئة بالتخطيط أو السياسَة اللغوية المتبعَة في بلد عربيّ ما أو في أكثر من بَلَد، فهذا أمرٌ لا يستقلُّ بذاتِه ولكنّه متصلٌ بالسياسات العامّة المُنتَهَجَة في البلاد العربيّة، فكلّ قطاع في البلاد العربيّة يتأثّرُ حتما بطبيعةِ السياسة الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة السائدَة، بل من المُفيد القول إنّ أكثر البلدان العربيّة لم تنتهجْ خطّةً واضحةً في تنشئةِ الطّفلِ العربيّ تنشئةً لغويةً واضحةً، فهو في الغالب متروك للمتغيّرات والظّروف الطّارئَة...
3- السّياسة اللّغوية واكتساب المعرفة:
ولا يُمكنُ الحديثُ عن إمكان وجود سياسة عربيّةٍ، لتنشئة الطفل على اللسان العربي الفصيحِ، من غير الحديث عن اكتساب المعرفة في الوَطَن العربيّ، وعَمّا إذا كانَت هناكَ أسباب اجتماعية وسياسية واقتصادية تقف عائقاً أمام اكتساب المعرفَة، وهي سماتٌ تتطلبُ إصلاحاً أبعدَ مدىً حتّى تصفُوَ أجواءُ اكتساب المعرفَة، وتخلُوَ السياساتُ من الحَواجزِ، وتعمّ حريّةُ التّفكير والتّعبير ويُشرَكَ المُجتمعُ في صنعِ قراره، ذلكَ أنّ السياسةَ في الوطن العربيّ إطارٌ مرجعيّ أبعدُ أثراً في تحليل مُحدِّداتِ اكتسابِ المعرفَةِ في البُلدانِ العربيّة... ومعنى ذلكَ أنّه لا يُتصوَّرُ قيامُ تنشئةٍ لغويّةٍ للطّفلِ العربيّ، تَقومُ بِها المؤسساتُ الاجتماعيّةُ، ابتداءً من الأسرَة ثمّ المدرسَة وأسلاك التعليم اللاحقَة، ثمّ وسائل الإعلام، ثمّ دور الثقافَة والمكتبات... إلاّ في ظلّ سياسة لغويّةٍ تُعْنى بوضع تخطيطٍ واضحٍ ودقيقٍ، لمنهجِ تربية الأطفالِ على المعرفةِ وتدبير سياسةٍ لغويّةٍ واضحةٍ تُعالجُ مُشكلات التّعدّد اللغويّ في المجتَمَع وما يُشابهها من مُشكلات تَعترضُ طريقَ التّنشئة الاجْتماعيّةِ النّاجحَة.
ويتعيّنُ، والحالَة هذه، أن تكونَ التنشئةُ الاجتماعيّةُ للطفلِ لغوياً وتعليمياً ومعرفياً، مَرسومةً وفقَ تخطيطٍ لغويّ اجتماعيّ تضَعُه المؤسّساتُ التي تَرعى الأفرادَ منذ الصغَر، ولكنّ هذه السياسَةَ تكادُ تكونُ غائبةً، بل لا تكادُ تجدُ بلداً عربياً يُقيمُ سياسةً لغويةً واضحةً « مُرتبطة بخطّةٍ لغويّةٍ يُمكنُ تَحديدُ فوائدِها ونتائجِها، ثمّ قياسِ مَدى نَجاحِها ونَجاعتِها.
ومن مهام البُحوث المَعنية بالسياسة اللغويّة أن تتدلّ على بعض الطرُق والآلياتِ والوسائل التي تُساعدُ على استنهاضِ المؤسسات والجهاتِ الاجتماعيّة والسياسية والثقافيّةِ المَعنيّة بالتنشئة اللغويةِ للطّفلِ العربيّ، على رأس هذه الآليات وضعُ سياسة رَشيدة للنهوض بالعربيّة وجعلِها اللّسانَ الرئيسَ في المُحيط التّداوليّ للأطفال، ولا يكون ذلكَ إلاّ بإعداد المتن اللّغويّ وتهيئته على النّحو الذي يجعلُه مواكباً للعصر ولتطوّر المشكلات .
ومن مهام البُحوث المَعنية بالسياسة اللغويّة أيضاً أن تُعالجَ الموضوعَ بمنهج العَرض الوصفيّ، والتّحليل لعناصر الإشكال –إشكال التنشئة الاجتماعية للطّفلِ من النّاحيةِ اللغويّة – والتّركيز على الظّواهرِ المُشكلة والحواجزِ المُعترضَة طريقَ بناءِ "تصوّرٍ سليمٍ للوضعِ اللغويّ" أو التّخطيط العامّ للمَشهد اللّغوي في مجتمع الطّفل العربيّ، وعلى رأس هذه الحواجز عَجزُ الحُكوماتِ وتباطؤُها عن رسم سياسات صارمة للغات وتنزيلِ العربيّة منزلتَها اللائقةَ بها، ومن الظّواهر المُشكلة أيضاً تعدّد اللغات واللهجاتِ في البَلَد العربيّ الواحد، ولا يستقيمُ الوضعُ اللغويّ السليمُ إلاّ باتّخاذِ لغةٍ واحدةٍ لغةَ السيادَة والسياسة الرسميّة في القطاعات كلِّها، وعدمُ التّدبير المُحكَم للتعدّد قد يؤثّرُ في السِّلم الاجتماعيّ والاستقرار السياسيّ. ومن مهامّ هذا البحث ومقاصده أن يَضَع تصوراً لسياسةٍ لغويّةٍ واضحةِ المعالمِ تحدّد النّهجَ السليمَ لتنشئة الطّفلِ تنشئةً لغويةً سليمةً