( إنْ هذان لساحران )
دائماً ما تثار إشكالية إعرابية حول هذه الآية ، فقد دخل النحويون في جدلٍ كبير لتحديد الوجه الصحيح لقراءة هذه الآية ، وحصل بينهم اختلاف في الوجه الصحيح لقراءة ( إن ) ، فمنهم من يرى أنها المخففة من الثقيلة ، ومنهم من يرى أنها
( إنّ ) بالتشديد التي تعمل عكس عمل كان فتنصب المبتدأ على أنه اسمها وترفع الخبر ، وكلا القراءتين صحيحة ومتواترة ....
فقد وضعت للقراء الكرام السكون على نون
(إنْ )لأنها القراءة المشهورة لهذه الآية ،،
الخلاصة فيما جاء من أقوال العلماء عن هذه الآية عدة وجوه وهي كالآتي :
الوجه الأول / هناك من العلماء من يعتبر ( إنْ) على أنها المخففة من الثقيلة واللام في ( لساحران ) تعتبر فارقة - للتفريق بين إن النافية و إنْ المخففة من الثقيلة ، كما أن وجود اللام تسبب في جعل
( إن ْ ) مهملة لاتعمل ، وهي قراءة حفص عن عاصم ، فوجود اللام هنا يثبت لنا صفة السحر لهما ، وللتوضيح إن قلت : إنْ أنت مسافر ، فإنك تنفي السفر ،،،،
وإن قلت : إنْ أنت لمسافر ،، فأنت تثبت السفر ،، فاللام الفارقة وجودها يعني الإثبات ،وعدمها يعني النفي ...
ومنه قوله تعالى في سورة الشعراء : ( وإن نظنك لمن الكاذبين ) معناها أنت كاذب ،،،
فلو قال : وإن نظنك من الكاذبين بدون لام هذا يدل على نفي صفة الكذب عنه .
فـ (إن) هنا مخففة من الثقيلة جيء باللام الفارقة في خبرها للتفريق بين إن النافية وإن المخففة ....
الوجه الثاني / لقراءة الآية هو ( إنّ) بمعنى
{ نعم} أي نعم هذان لساحران ،،، والدليل على ذلك موجود في كلام العرب من الشعر والنثر ،،
فمن شعر العرب قوله :
بكر العواذل في الصباح
يلمنني وألومهن
ويقلن شيب قد علاك
وقد كبرت فقلت إنّ
ومن النثر قول أحدهم لابن الزبير : لعن الله ناقة حملتني إليك . فقال له ابن الزبير : إن وراكبها .
أي : نعم لعنها و لعن راكبها .
فإن هنا بمعنى (نعم ) ، وهو قول الكسائي ،،، وسيبويه يقول : هي بمعنى ( أجل )
الوجه الثالث / تقرأ هذه الآية على لغة من يجعل المثنى بالألف دائماً أياً كان موقعها الإعرابي وعلى هذا نعتبر هذان : اسم إنّ وعلامته الألف ومحله النصب ، وهذا يخالف المشهور من قواعد النحو التي تقول أن المثنى علامته الياء في الخفض والنصب ،،، ومن هنا بدء الإشكال في هذه الآية ،،
والشاهد على هذه اللغة قول الشاعر :
واها لسلمى ثم واهاً واهاً
هي المنى لو أننا نلناها
يا ليت عيناها لنا وفاها
بثمن نرضي به أباها
إن أباها وأبا أباها
قد بلغا في المجد غايتاها
فهنا عامل المثنى بالألف على الإطلاق وهي لغة من لغات العرب ولكنها قليلة وليست مشهورة .
الوجه الرابع / إنّ بالتشديد من أقدم أدوات الإيجاب في اللغة العبرية والآرامية وكذلك العربية ، والدليل أنها استخدمت في قصة موسى والذي استخدمها هو فرعون بلغتهم ، فهو استعملها كما استعملوها العبريون القدامى .. فهي لغة عبرية قديمة وآرامية فهو تعبير عجيب ... واستخدمت في العربية أيضاً فهي كلمة مشتركة في اللغات السامية وهي العربية والعبرية والآرامية ... وأكبر دليل على صحة ذلك عدم اعتراض كفار قريش على هذه الآية وهم من هم في اللغة ، بل إن هذا يعد إعجازاً لأنه استخدم إنّ المشددة بمعنى نعم في هذه القصة بالذات قصة موسى مع فرعون واختار لفظة مشتركة بينهم وبين العرب وهي (إن ).