الثقافة التبادلية والثقافة الاستعمالية
توضح لنا السوق وانتاجيتها للبضائع قيما ومفاهيم ثقافية كثيرة فمثل ما للسلعة قيمة استعمالية كذلك لها قيمة تبادلية، في القيمة الأولى تدخل في سياق الحياة اليومية لاسعاد ومعيشة الناس،في حين تكون في قيمتها التبادلية بمثابة النقود التي تتراكم لدى الرأسمالي لتصبح السلعة رأسمالا متحركا يمكن زيادته والمضاربة،وتسعى الرأسمالية إلى زيادة السلعة التبادلية بفتح الاسواق لها في العالم بينما تنوع من انتاج السلعة الاستعمالية للاسواق المحلية.
هذه المفهومات تدخل كما يشير أدرنو في سياق حياتنا الثقافية،فهناك الكثير ممن يسوق ثقافته كسلعة تبادلية خاصة في البرامج التلفزيونية والسينما وهناك من ينتج ثقافة استعمالية للناس في بيوتهم.
المسألة اعمق بكثر من ان ننتج ثقافة استعمالية دون نوعية،والاغرب ان لا ننتج ثقافة تبادلية، والسؤال لماذا ننتج ثقافة استعمالية رديئة ولدينا الامكانات المالية الهائلة،ولماذا لا ننتج ثقافة تبادلية ولدينا الافكار والادوات؟ الامر لا يحتاج إلى فك رموز معادلة كيمياوية صعبة، بل يحتاج إلى إرادة،وبمراجعة بسيطة لمسلسلات رمضان كنا قد استبشرنا خيرا عندما ظهرت مسلسلات عراقية بمواصفات لابأس بها ولكنها خطوة،في حين ان الثقافة التي تقف وراء هذا الانتاج لم يكن لها فلسفة تحدد مسارات الانتاج وهو الاهم في نظري من الإنتاج نفسه،فلو كانت ثمة توجهات مركزية حتى في اختيار الموضوعات المهمة لشهدنا ان التصور للانتاج الثقافي يأخذ مديات مباشرة في علاقته بالسوق المحلية حيت الاستعمال اليومي لها وبالسوق العربية والعالمية حيث يمكنها ان تكون بضاعة وهوية.
المشكلة الاساسية تكمن في أن القيمة التبادلية للثقافة تتغلب على القيمة الاستعمالية للثقافة،مثل هذه الحال هو ما نشاهده في الثقافة الاستعمارية التي توجه لبلدان بطريقة مغايرة عما توجه له في داخلها،وقد دأبت كوريا والصين وروسيا واميركا لسنوات وعقود ان تصدر ثقافة تبادلية من طرف واحد في حين ان الكثير من افكار هذه الثقافة لا تطرحها في اسواقها المحلية.لان ما يكمن خلف انتاج الثقافة التبادلية هو الاستغلال السياسي والاقتصادي وبالتالي ما يسمى بالعلاقات الطبقية التي تنتج مثل هذه الثقافة كسلعة تهيمن بها على الاسواق في العالم.
في منطقة الشرق الأوسط تتكاثر سبل انتاج الثقافة التبادلية دون ان يكون لثقافة هذه المنطقة اي دور في تصدير الثقافة المقابلة بل ما يتم هو استثمار الثقافة التبادلية كسلعة ورأسمال نقدي وسياسي وهو ما قد يؤدي بالتالي إلى اضمحلال وضمور الثقافة الوطنية..