من أوراق كربلاء -- ١
يحيى غالي ياسين
على بركة الله نبدأ بسلسلة قراءات نسعى ان تكون جيدة ومميزة في اوراق ومستندات كربلاء ، ومن الله التوفيق .
الورقة الاولى
من النقاط التي وقف عندها المشتغلون في فكر كربلاء هو هذا السؤال : هل قام الإمام الحسين ع عن تكليف خاص ام عمل بوازع اسلامي عام ، وأهمية السؤال ترجع الى خطورة الجواب ، لأن الجواب سينعكس على الوظائف والواجبات والاحكام المستنبطة من كربلاء ، فإذا كانت عن تكليف خاص فلا يمكن اخذها كحجة في العمل والعكس صحيح ، فإذا كانت كوازع عام فتكون قاعدة اسلامية يرجع اليها الثوار والمنتفضون الذين توفرت لهم مقدمات الثورة وتهيأت لهم ظروفها اقتداءً بالامام الحسين عليه السلام حتى وان كان النصر بحكم المستحيل وحتى لو كانت التضحيات جسيمة ..!!
ولقد اختلف العلماء والكتّاب والمهتمون حول هذه القضية ، وبصورة أساسية انقسموا على قسمين :
قسم يرى بأن الإمام قد عمل بتكليفه الخاص ، ويسوق في ذلك ادلته ومستنداته الداعمة لرأيه ، ومن اصحاب هذا الرأي مثلاً صاحب الجواهر قدس سره حيث يقول : { ما وقع من الحسين عليه السلام مع انه من الأسرار الربانية والعلم المخزون يمكن ان يكون لانحصار الطريق في ذلك ... على أنه له تكليف خاص قد قدم عليه وبادر الى اجابته ، ومعصوم من الخطأ لا يعترض على فعله ولا قوله ، فلا يقاس عليه من كان تكليفه ظاهر الادلة والاخذ بعمومها وإطلاقها مرجّحاً بينها بالمرجّحات الظنية } جواهر الكلام - ٢٩٥/٢١
بينما رأى القسم الآخر بأن الامام عليه السلام انطلق وفقاً للوازع الاسلامي العام وعمل بظاهر الادلة والظروف المحيطة به ، كالسيد الخميني قدس سره ، حيث يرى أن قول الامام ع : " من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ... فلم يغير ما عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله ان يدخله مدخله " يعتبره قدس سره ان هذا المطلب الذي بيّنه الامام يعمّ الجميع ، ويقول في موضع آخر من (صحيفة نور ) : عمل الامام الحسين ع منهج للجميع .
ويرى الشهيد الشيخ مرتضى مطهري ان القول بأن قيام الامام الحسين ع كان على أساس تكليف خاص هو من التحريفات المعنوية { ويقصد هنا تحريف التفسير والتأويل في قبال التحريف في اللفظ } التي تعرضت لها النهضة الحسينية ( الملحمة الحسينية ٣ : ٢٤٠ ) .
ولا رأي لنا بين هؤلاء الأعلام ولكن بلا شك انّ القضية الحسينية كما ان اسسها ومبادئها ومستنداتها الغيبية كبيرة ، وان الامام عليه السلام كان يسير وفق خط الهي مرسوم .. الّا أنّ ذلك لا يمنع من أن تكون هنالك دروس واحكام مأخوذة من هذه الواقعة ومناهج طالما تأسّى بها الثوّار والأحرار على طول خط التأريخ ، فكل ما واجهنا في هذه القضية من امر يصعب تفسيره او ترجمته الى واقع .. فهذا مما تعلقت به يد الغيب ، وكل ما نجده نوراً يُستضاء به في ظلم زماننا ، وسفينةً تنجينا من عباب بلاءات دهرنا فهذا مما اراق في سبيله عليه السلام دمه ودم اهل بيته وصحبه ، فهو مصباح الهدى وهو سفينة النجاة لنا صلوات الله وسلامه عليه ..
مع ورقة اخرى ..