الأشعة الكونية القاتلة من المستعرات العظمى القريبة يمكن أن تكون السبب في حدوث انقراض جماعي واحد على الأقل
تخيل أنك تقرأ على ضوء نجم متفجر أكثر سطوعا من البدر، قد يكون من الممتع التفكير في ذلك، لكن هذا المشهد هو مقدمة لكارثة يدمر فيها الإشعاع الحياة التي نعرفها.
فقد قال الباحثون إن الأشعة الكونية القاتلة من المستعرات العظمى القريبة، يمكن أن تكون السبب في حدوث انقراض جماعي واحد على الأقل، كما أن العثور على نظائر مشعة معينة في سجل صخور الأرض، يمكن أن يؤكد هذا السيناريو.
وتستكشف دراسة جديدة بقيادة بريان فيلدز أستاذ علم الفلك والفيزياء في جامعة إلينوي بأوربانا شامبين (University of Illinois at Urbana- Champaign)، احتمال أن تكون الأحداث الفلكية مسؤولة عن الانقراض قبل 359 مليون سنة، على الحدود بين الفترتين الديفونية والكربونية.
وتم نشر النتائج في دورية وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم، المعروفة اختصارا باسم "بي إن إيه إس" (PNAS) بتاريخ 18 أغسطس/آب الجاري.
استنفاد طويل الأمد
وركز الفريق على حدود العصر الديفوني الكربوني، لأن صخور تلك الفترة تحتوي على مئات الآلاف من الأجيال من أبواغ النباتات التي يبدو أنها تحترق بفعل الأشعة فوق البنفسجية، وهو ما يمثل دليلا على حدوث استنفاد للأوزون طويل الأمد.
وقال فيلدز إن "الكوارث الأرضية مثل البراكين الواسعة النطاق والاحترار العالمي، يمكن أن تدمر طبقة الأوزون أيضا، لكن الدليل على ذلك غير حاسم بالنسبة للفترة الزمنية المعنية".
ويضيف "بدلا من ذلك، نقترح أن انفجارا واحدا أو أكثر من انفجار لمستعر أعظم (سوبرنوفا)، على بعد حوالي 65 سنة ضوئية من الأرض، يمكن أن يكون مسؤولا عن الفقد المطول للأوزون".
الفريق ركز على حدود العصر الديفوني الكربوني، لأن صخور تلك الفترة تحتوي على أبواغ النباتات التي تحترق بفعل الأشعة فوق البنفسجية (ويسلون 44691)
وقال طالب الدراسات العليا أدريان إرتيل -الباحث المشارك في الدراسة- "لوضع هذا في المدى المنظور، فإن أحد أقرب تهديدات المستعرات العظمى اليوم هو من نجم منكب الجوزاء الذي يبعد أكثر من 600 سنة ضوئية، وهو خارج مسافة القتل البالغة 25 سنة ضوئية".
وقد استكشف الفريق أيضا أسبابا فيزيائية فلكية أخرى لاستنفاد طبقة الأوزون، مثل ارتطام النيزك والانفجارات الشمسية وانفجارات أشعة غاما.
وقال طالب الدراسات العليا جيسي ميلر -الباحث المشارك في الدراسة أيضا- إن "هذه الأحداث تنتهي بسرعة، ومن غير المرجّح أن تسبب استنفاد طبقة الأوزون الطويل الأمد الذي حدث في نهاية العصر الديفوني".
مستعرات متعددة
وقال الباحثون إن المستعر الأعظم -من ناحية أخرى- يوجّه لكمات متتابعة، فيغمر الأرض على الفور بالأشعة فوق البنفسجية الضارة والأشعة السينية وأشعة غاما.
وفي وقت لاحق، يصطدم انفجار حطام المستعر الأعظم بالنظام الشمسي، مما يعرّض الكوكب لإشعاع طويل الأمد من الأشعة الكونية التي يسرّعها المستعر الأعظم. ويمكن أن يستمر الضرر الذي يلحق بالأرض وطبقة الأوزون فيها لما يصل إلى 100 ألف عام.
المستعر الأعظم يغمر الأرض على الفور بالأشعة فوق البنفسجية الضارة والأشعة السينية وأشعة غاما (ناسا)
ومع ذلك، تشير الأدلة الأحفورية إلى انخفاض التنوع البيولوجي لمدة 300 ألف عام، مما أدى إلى الانقراض الجماعي الديفوني الكربوني، وهو ما يشير إلى إمكانية حدوث كوارث متعددة، وربما انفجارات مستعرات عظمى متعددة.
وقال ميلر "هذا ممكن تماما"، فعادة ما توجد النجوم الضخمة في مجموعات مع نجوم أخرى ضخمة، ومن المرجح أن تحدث مستعرات عظمى أخرى بعد الانفجار الأول بوقت قصير.
النظائر المشعة والموز الأخضر
وقال الفريق إن المفتاح لإثبات حدوث مستعر أعظم هو العثور على النظيرين المشعين: البلوتونيوم 244، والسماريوم 146، في الصخور والحفريات التي ترسبت في وقت الانقراض.
وقال الطالب الجامعي تشينجاي ليو -الباحث المشارك- "لا يوجد أي من هذه النظائر بشكل طبيعي على الأرض اليوم، والطريقة الوحيدة لوصولها إلى هنا هي عن طريق الانفجارات الكونية".
وقال فيلدز إن الأنواع المشعة التي ولدت في المستعر الأعظم تشبه الموز الأخضر، "فعندما ترى الموز الأخضر في إلينوي، فأنت تعلم أنه طازج، وأنت تعلم أنه لم ينم هنا".
المفتاح لإثبات حدوث مستعر أعظم هو العثور على النظيرين المشعين البلوتونيوم 244، والسماريوم 146، في الحفريات التي ترسبت وقت الانقراض (وزارة الطاقة الأميركية)
ومثل الموز، يتحلل البلوتونيوم 244 والسماريوم 146 بمرور الوقت، لذلك إذا وجدنا من هذه النظائر المشعة على الأرض اليوم، فإننا نعلم أنها طازجة وأنها ليست من هنا، وبالتالي فهي البنادق الدخانية لمستعر أعظم قريب".
ولا يزال يتعين على الباحثين البحث عن تلك النظائر في صخور من الحدود الديفونية الكربونية. وقال فريق فيلدز إن دراسته تهدف إلى تحديد أنماط الأدلة في السجل الجيولوجي التي من شأنها أن تشير إلى انفجارات سوبرنوفا.
وقال فيلدز "الرسالة الشاملة لدراستنا هي أن الحياة على الأرض لا توجد بمعزل عن غيرها"، فـ"نحن مواطنون في كون أكبر، ويتدخل الكون في حياتنا، وغالبا ما يحدث هذا بشكل غير محسوس، لكنه يحدث في بعض الأحيان بشراسة".