مَحطاتٌ من الذَّاكرة!! ..
ذات يوم وقبل أن تُولد الأشباح في ربيعيّ السابع عشر، قبل أن تُحلّق الغربان في سطح بيتي الصغير، وقبل أن توأد الأحلام في مهدي المتدحرج بين دُعاء أمي وساعد أبي المُتعب..
ذات يوم وقبل بزوغ فجر ما وراء البحر في بلدٍ بعيدٍ كان يُراودني العيش فيه لأن فيه حُلمي، قبل أن يحل الظلام ويسود الدمار وينتهي السلام تبدأ حكايتي وحكاية وطني ....
ذات يوم كنتُ وصديقي نقرأ المُعَلّقات حينما كان الباقي يلهو ويلعب، كُنّا نقطف صوراً من صور الأمجاد ونُعلقها على جُدران ذاكرتنا حتى لا ننساها، كُنّا ننهل من كل بحر ولا نخشى الغرق، كان هو المُتنبّي الصغير وكانت حروف اسمي الجديد هي الأخرى ستنبت.
حصاد القدر كان شديداً، فاجئني وأتى على كل طري كاد أن ينضج وما عاد لي بعدها حلم سوى أن أنتظر....
ذات يوم أغرٍّ مشرق بسّام كنتُ أُشْبِهُ صديقي وكان يُشبهني و تزاوجت أحلامنا وتراقصت، ومضى الأول يَشُقُّ الدرب وبقي الثاني يتعثّر ويتحامل على نفسه المنهكة حتى خارت قواه فسقط ولكنه لم يستسلم ...
بعد عشرات السنين وبعد مسيرة طويلة تغيرت معالم كثيرة، فعاد لي وطني وابتسمت لي بعض أحلامي دون أن أبتسم لها لأنّها جاءت متأخرة، وصافحتني يد الرحمة وصافحتها، ولكني أبقيت بيدي الأخرى تُلوّح غير آبهة لقدر آخر لم أعد أخشاه لأني تعلمتُ ألوان الصبر في ربيعي السابع عشر ..
وتمضي الأيام و يبدأ الشيب يغزو سواد الشعر ويستوطن، وتبدأ القوى تتهاوى، فيضعف البصر وتتسابق علامات الوهن في مضمار العمر الذي مضى إلا أقله،..
عُدت بذاكرتي إلى وطني أرتشف كأس الذكريات الواحدة تلوى الأخرى، بحثتُ في أزقة الحاضر علّني أجد صديقي القديم فلم اعثر عليه، ولم أعثر على من يدلني عليه فكل شيء قد تغير..!!
لم أعثر في طريق عودتي إلا على حقيبة بالية من زمن ماض بداخلها ذكريات جميلة، كانت فيها صورتي وصورة صديقي القديم وبعض من حكايات كان يا مكان..!! .. وتمضي الأيام بنا ويمضي العمر ونحن نلاحق أحلامنا دون أن نخشى الحتف أو مُلمّات القدر ...
م