قال ابنُ الفخّار النّحويّ الأندلسيّ المتوفى سنة 716 للهجرة، تلميذ ابن أبي الربيع السبتي، في شرح جُمَل أبي القاسم الزّجّاجيّ: قال الزّجّاجي: [الأفعال لا تَملكُ شيئاً ولا تستحقّه]. والمقصودُ بالأفعال ههنا : الأفعال النّحويّة لا المنطقيةُ أو الواقعيّةُ، والأفعالُ النّحويّةُ في صناعَة النّحو هي الأحداث المقترنة بزمان، فالأفعال المُصطَلَح عليْها عندَ أهل الصناعَة النحويّة لا تملكُ شيئاً أي لا تؤثّرُ عَملاً مادياً وليسَت فعلاً من أفعال الإنجاز الواقعيّ.
نَعَم، الصنعَةُ النحويّة باديةٌ على مُصنفاتِ النّحو عندَ القُدَماءِ قبلَ المتأخرينَ،، منذ القرن الرابع ثمّ استحرّت هذه الصّنعةُ في القُرونِ التاليَة، وفي المشرق قبلَ الأندلس، ومع شُيوخ ابن أبي الربيع التي ذَكَرَها تلميذُه ابنُ الشاط في البرنامَج، قبل ابن أبي الربيع وتلاميذِه إبراهيمَ الغافقيّ وابنِ لُبٍّ في تعقيباته... ولكنّ الصّناعةَ -إذا جرّدْنا النحوَ عن القصد من وضعه وهو دَفْعُ اللحن والتعليمُ- قد تبدو عند النّظر ضروريّةً لفصلِ العلوم بعضها عن بعض، ولقياسِ درجة قوتها النظريّة في وصف موضوعها، وفي موازنتها بغيْرها من العلوم التي من جنسها، ففي هذا المَوضِع ذاتِه يُمكن أن يُنظَرَ إلى صناعة النّحو من وجهةٍ لغوية معاصرة تفرق بين أفعال اللغة الصورية وأفعال الإنجاز...