التصغير في العربيّة ظاهرة صرفيّة تتعلّق بتصريف الأسماء، ولا يمسّ التصغير في هذا الشأن إلا الأسماء المتمكّنة أو المتصرّفة، بمعنى أنه لا يمسّ التصغير الحروف والأسماء المبنيّة أو المبهمة، ولا يمسّ الأفعال أيضا إلا ما كان من باب الشذوذ. والتصغير معنى هو صفة، أي أنّ لا فرق من حيث الاستعمال بين قولنا: “رجل صغير” أو “رُجيل”، وهذا ليس حكرا على العربيّة وإنما تشترك فيه الكثير من اللغات، والفرنسيّة مثال على هذا.
والمعنى الحاصل من التصغير هو تقليل الشيء أو تحقيره، وقد يجيء للتلطّف أو التحبّب أو تقريب الزمان أو المكان وغيره. ولا يصغّر ما كان معظّما من الأسماء، مثل أسماء الله الحسنى، ولا يصغّر ما لا فائدة من تصغيره مثل الشهور أو الأسابيع. والتصغير على ما يُذكر هو ضرب من الاختزال في العبارة، وذلك بحذف الصفة التابعة للموصوف، وتغيير بنية الكلمة، أي بنية المكبّر. والفرق بين بنية المكبّر وبنية المصغّر، أن الأولى تأتي على أبنية كثيرة مختلفة، ترجع إلى أبنية ما جاء على ثلاثة أحرف، وما جاء على أربعة أحرف أو خمسة. وإذا كانت أبنية الأسماء في الأصل مختلفة ومتفاوتة فإن أبنية التصغير موحّدة أو شبه موحدة، وهي تتمثّل، بالنظر إلى ما استقرأه النحاة، في “فُعَيْل” و”فُعَيْعِل” و”فُعَيْعِيل”. وإذا كانت أوزان الأسماء جميعها يُراعى فيها الحروف الأصول والحروف الزائدة فإن أوزان التصغير المذكورة يراعى فيها التوازن أو التوافق في الحركات والسكنات، أو فيما يُطلق عليه المقاطع في بنية الكلمة. وللتدليل على هذا فإن الوزن التصريفي لكلمات من نحو “مُسَيْجِد” (تصغير مسجد)، و”حُمَيّر” (تصغير حمار)، و”أسَيود” (تصغير أسود)، هي /مُفيعِل/ و/فُعيّل/ و/أفيْعل/، في حين أن وزنها التصغيريّ واحد وهو /فُعَيْعِل/.
إن المتأمّل في بنيتي التصغير والتكبير، وذلك انطلاقا من الأمثلة التي سبق أن أشرنا إليها، ومن باب التمثيل لا غير، يمكن أن يخرج بالملاحظات التالية:
البنيتان مختلفتان في التكبير والتصغير، ذلك أنّ حركة الحرف الأول والثاني والثالث في البنية الأولى تجيء مختلفة، ويمكن أن تجيء فتحة أو كسرة أو ضمة، في حين أنّ حركات البنية الثانية لا بد أن يكون أوّلها مضموما وثانيها مفتوحا وثالثها إن وجد مكسورا.
البنية الثانية، أي بنية التصغير، ومقارنة بالبنية الأولى تضمّنت حرفا زائدا، هو ياء التصغير، وهي ياء ساكنة تجيء بعد العين، أو بعد الحرف الثاني في البنية، وهذه الزيادة في المبنى تصحبها زيادة في المعنى لا محالة.
واضح أن بين البنيتن (أي بنية التكبير وبنية التصغير) علاقة اشتقاقية، وذك بالنظر إلى الحروف الأصول، وترتيب هذه الحروف الأصول، والمعنى الأصلى المشترك، وواضح أن بنية التصغير تتميّز بما يسمّى بالمعنى الطارئ، بالمقارنة مع البنية الأولى.
هذا التوليد الاشتقاقي إذا ما قدّرنا فيه أن الكلمة الثانية (أي التصغير) هي متولّدة من الكلمة الأولى، يولّد بنية جديدة، أو بالأحرى كلمة جديدة، هي كلمة مستأنفة بعبارة النحاة.
والدليل على أن هذه الكلمة الجديدة هي كلمة مستأنفة جريان خصائص الاسم عليها، وذلك من نحو الإعراب والتنوين والتعريف والتأنيث، وإن كانت غير متضمَّنة في القاموس أو المعجم.
ومن باب التعليل يحقّ لنا أن نتساءل: لمَ جاءت بنية التصغير مضمومة الحرف الأول ولم تجئ مفتوحة أو مكسورة؟
لا يخفي أن للنحاة في هذا المضمار إجابة قد تبدو مقنعة وعلى غاية من الوجاهة، وهي تتعلّق بمبدأ الخفّة والثقل. إذ لو افترضنا أن حركة الفاء في التصغير جاءت كسرة، فإنّ هذه الكسرة سوف تلتقي مع كسرة العين ومع ياء التصغير التي هي من جنسها، وهذا مستثقل لا محالة. ولو جاءت حركة الفاء في التصغير، فتحة بالرغم من خفتها، لا يجوز أيضا، لأنّ الفتحة، كما يقول النحاة، هي من نصيب جمع التكسير. ولا يفوتنا أن التصغير والتكسير في عرف النحاة هما من واد واحد، وذلك للشبه القائم بين بنية التصغير وبنية التكسير. والبنيتان قائمتان على الزيادة، أي زيادة الياء في التصغير، وزيادة الألف في التكسير(مثل مساجد وعقارب وقناديل ومآذن وغيرها)، وهما يشتركان في ضمّ الحرف الأول في التصغير، وفتحه في التكسير، وهما يشتركان أيضا في تكسير البنية في الحالتين، وإنشاء بنية مستأنفة بعد التوليد.