لقد شاع عند علماء الصرف أنّ التصريف هو التغيير والتحويل. وهذا التغيير يطرأ على بنية الكلمة. وبنية الكلمة هي “هيأتها التي يمكن أن يشاركها فيها غيرها ” (1)، بعبارة الأستراباذي. والكلمة لا تمسّ كلّ الكلم في العربيّة، وإنّما هي تتعلّق بالأفعال المتصرّفة والأسماء المتمكّنة أساسا، أي أنّه لا دخل للتصريف في الحروف والأسماء المبنيّة أو الموغلة في الإبهام، ولا في الأفعال الجامدة. ولا يقبل التصريف إلا الأسماء والأفعال الأصول، أي ما كان قائما على ثلاثة حروف أصول أو أربعة أو خمسة. وأمّا ما نقص عن ذلك فلا دخل للتصريف فيه، إلّا أن يكون محذوفا منه مثل “يد” و”دم” و”أخ” و”أب” وما شابهها.
والتغييرات التصريفيّة كثيرة يجملها علماء الصرف في الزيادة والبدل والحذف وتغيير حركة أو سكون وإدغام. فأمّا بشأن الزيادة فتتعلّق بزيادة حرف من حروف الزيادة الشائعة أو تكرار حرف، ولا يخفى أن في كل زيادة، سواء بحرف أو أكثر، هناك زيادة في المعنى، وهو ما يُعبّر عنه بالمعنى الطارئ. وأما البدل أو الإبدال فهو البدل التصريفيّ، وذلك بتغيير حرف بحرف آخر يحلّ محلّه لأسباب صوتيّة، أو تجنّبا للاستثقال، وهو يشمل القلب وإن اختلف علماء الصرف في حدود البدل والقلب. وأمّا الحذف فيتعلّق بحذف حرف أو حركة، لأسباب موجبة لذلك هي أسباب صوتيّة أيضا. وأما تغيير حركة وسكون فهو ما يعبّر عنه بالنقل، أو إسكان متحرّك وتحريك ساكن، وذلك بالتقديم والتأخير. وأمّا الإدغام في الأخير فهو إدغام حرفين مثلين أو متقاربين، سواء في مستوى الكلمة المفردة أو في مستوى الكلمتين المتتاليتين. والغالب على هذه التغييرات في العموم هو الإعلال.
هذه التغييرات في مجملها وإن اختلفت أو تفاوتت هي ما يطلق عليه التغييرات التصريفيّة، وهي في معظمها مطّردة قياسيّة، تخضع لقواعد مضبوطة أو شبه مضبوطة. وهذه التغييرات الخمسة فيها ما يتعلّق باللفظ والمعنى، وفيها ما يتعلق باللفظ وحده، ولا علاقة له بمسائل المعنى. وهذا التصوّر المتعلّق بالتغييرات الصرفيّة تعكسه دراسات علماء الصرف وتأليفاتهم، وتحليلهم للمسائل الصرفيّة وتوصيفها، مثلما تعكسه تعريفاتهم لعلم الصرف، وتفصيلهم لمسائله وتبويبها. وتبعا لهذا فإن مسائل الصرف تقسّم، ولاسيّما عند النحاة المتأخرين إلى قسمين لا إلى خمسة أقسام. وهذان القسمان عند الأستراباذي هما أبنية الكلم وأحوال أبنية الكلم. وهي تغييرات في بنية الكلمة لغرض معنويّ او لفظيّ عند ابن هشام (2)، وهي القسم الأول والقسم الثاني من التصريف عند ابن عصفور. ويقول ابن عصفور في هذا المضمار: “والتصريف ينقسم قسمين، أحدهما جعل الكلمة على صيغ مختلفة لضروب من المعاني نحو ضرب وضرَّب وتضرّب وتَضارب واضطرَب.. والآخر تغيير الكلمة عن أصلها من غير أن يكون ذلك التغيير دالّا على معنى طارئ نحو تغييرهم قَوَلَ إلى قال..” (3).
هذا التقسيم الثنائيّ لعلم التصريف ومسائله هو تقسيم منهجيّ معرفيّ لا شكّ في ذلك، وهو يدلّ على حسن تمثّل ووعي كبير مبكّر بالمسائل الصرفيّة في فهم طبيعتها وأبعادها، وهو لا يبتعد، من باب المقارنة، عمّا وصلت إليه النظريّات اللسانيّة الحديثة في ضبط المستويات اللغويّة في الدرس اللسانيّ، وذلك بتمييز أصحاب هذه النظريات، وبشكل واضح بين المستوى الصرفيّ الذي يهتمّ بدراسة أبنية الكلمات، وهو ما يُطلق عليه المرفولوجيا، والمستوى الصوتيّ الوظيفيّ المتعلّق بالتغييرات الصوتيّة الطارئة على الكلمة، وهو ما يُطلق عليه الفنولوجيا، مع فارق بسيط يجعل التغييرات الصوتيّة أو الوظيفيّة عند النحاة العرب القدامى أقرب إلى الصرف، أو هي بالأحرى هي قسم من الصرف، في حين يجعل علماء الغرب هذه المسائل أقرب إلى المسائل الصوتيّة أو الفونيتكيّة. إلّا أنّه وفي الحقيقة لا فصل بين المستويات اللسانيّة في التحليل اللسانيّ، لأن المستوى الصوتيّ الوظيفيّ شديد المساس والتعلّق بالمستوى الصرفيّ، والمستوى الصرفيّ شديد التعلّق بالمستوى التركيبيّ، والمستويان الصرفيّ والتركيبيّ شديدا التعلّق بالدلالة وهكذا، وما الفصل بين المستويات اللسانيّة أو المسائل إلّا فصل منهجيّ تمليه متطلّبات البحث.