بالنسبة لديفيد هيلبرت ، كان اختراع نظرية المجموعات عبقرية رياضية، وكما قال:
"لا أحد يستطيع أن يطردنا من الجنة التي خلقها كانتور".
من خلال "نحن" ، كان هيلبرت يعني بالطبع "نحن علماء الرياضيات" ، لأنه على الرغم من أن نظرية المجموعات لكانتور أعطت فهما رياضيا جديدا تماما لمصطلح اللا نهاية، إلا أنها لم تقدم أي إجابة عما إذا كانت اللانهاية موجودة فعلا في الواقع. في العالم المادي ، لسوء الحظ ، لا توجد فنادق بها عدد لا حصر له من الغرف الفردية ولا حافلات بها عدد لا حصر له من المقاعد.
ومع ذلك ، في بعض الحالات ، يمكن أن نعتبر ان اللانهاية الرياضية مصطلح يصف عالم الطبيعة بدقة مدهشة.
خلال النصف الثاني من القرن العشرين ، أصبح مفهوم رياضي جديد معروفا وشائعا خارج عالم الرياضيات:
الفركتلات او الهندسة الكسرية.
وهي أشكال هندسية جميلة مبنية على معادلات رياضية بسيطة, وتمتلك خاصية تكرار نفسها الى ما لا نهاية, مما يعني أنه عند تكبير جزء صغير من الشكل ، يبدو أن النمط العام يظهر مرة أخرى.
عام 1904 وضع عالم الرياضيات السويدي هيلغ فون كوخ (Helge von Koch) المثال الشهير الذي يحمل اسم ندفة الثلج الخاصة بفون كوخ او نجمة كوخ, ويتضمن تقسيم جوانب المثلث متساوي الأضلاع بنفس الطريقة مرارا وتكرارا. والنتيجة هي شكل يشبه ندفة الثلج.
تناول عالم الرياضيات الفرنسي بينوا ماندلبروت ( Benoît B. Mandelbrot) الفكرة في عام 1967 في مقال نُشر في المجلة العلمية ساينس ( Science) طرح فيه السؤال التالي:
"كم يبلغ طول الساحل البريطاني؟"
كانت وجهة نظر ماندلبروت هي أن الإجابة تعتمد على حجم الخريطة التي تنظر إليها. كلما كان المقياس أصغر ، زادت التفاصيل التي تحصل عليها وأصبح الخط الساحلي أطول.
في عام 1982 نشر ماندلبروت كتاب "الهندسة الفركتلية للطبيعة" اذ اعتمد ماندلبروت الفركتلية كلغة جديدة لوصف انماط الطبيعة المعقدة، ليتحول ذلك الموضوع الرياضي غريب الاطوار بين عشية وضحاها الى ظاهرة يتحدث عنها الجميع وتدخل في مجالات اخرى بعيدة عن الطبيعة مثل الموسيقى والطب .
على الرغم من أن اللانهاية في الفركتلات يمكن مقارنتها ببلورات الثلج أو السواحل أو الهياكل المختلفة لكل شئ مثل صدفات الحلزون او رؤوس الاشجار او القرنابيط او أي شكل اخر، فإن هذا لا يعني أن الفركتلات هي الوصف المباشر لتلك الاشكال او الانماط.
ففي عالم الفركتلات لا يوجد حد لمدى عمق تكبير الهياكل. فعالم الفركتلات يشبه عالم الطبيعة اذ في هذا الاخير ننحدر في القياسات حتى نصل الى المقياس الذري ودون الذري ، وهما أصغر وحدات القياس الموجودة حتى الان.
في ميكانيكا الكم الحد الأدنى للقياس هو كيف يمكن أن يكون الشيء صغيرا عند ما يسمى بطول بلانك (ℓP)، والذي يساوي 1.6 × 10-35 (1,6 مضروبة في 10 اس سالب 35) مترا. هنا يتوقف الواقع بينما يمكن للرياضيات ان تستمر ... حرفيا الى:
ما لانهاية!
علم الكونيات هو المجال العلمي الوحيد الذي يُسمح فيه تقليديا بالحديث عن اللانهاية المادية. في الكون تحدث مثل هذه الظواهر المتطرفة التي لم نتمكن حتى الآن من وصفها إلا بمساعدة اللانهاية. واحد منها هي الثقوب السوداء. في مركز الثقب الأسود تكون الجاذبية كبيرة بشكل غير محدود لأن كمية كبيرة من المادة تم ضغطها في مساحة من الفضاء لا متناهية في الصغر.
هذه الظاهرة ، التي تسمى أيضا التفرد ، تتبع نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين . ومع ذلك ، فان اينشتاين نفسه كان يشك في وجود المتفردات في الواقع. "الثقوب السوداء مثل الاله كلاهما يقبل القسمة على الصفر" كما يُدّعى انه قال ذلك. ولكننا يمكننا ان نشك بهذا الادعاء لأن مصطلح الثقب الأسود ظهر لأول مرة في الستينيات وتوفي أينشتاين في عام 1955. لكن قد تكون العبارة المذكورة مجرد صياغة لتوضيح مدى النفور الذي كان لدى أينشتاين من فكرة اللانهاية المادية.
قضية أخرى تتناولها اللا نهاية المادية او الواقعية .. بالطبع انه حجم الكون. فهل هو كبير بلا حدود أم أن هناك حدا للكون؟
من منتصف القرن العشرين حتى السبعينيات اتفق العديد من الفيزيائيين وعلماء الفلك على أن الكون كان كبيرا بشكل لا نهائي وله تاريخ طويل بلا حدود. النظرية التي أطلق عليها اسم "الحالة المستقرة" وطرحها عالم الفلك البريطاني العظيم فريد هويل ، أفسحت المجال تدريجيا لنظرية الانفجار العظيم.
الان ، يعتقد معظم الناس أن الكون نشأ من حالة فردية منذ 13.8 مليار سنة وتوسع منذ ذلك الحين إلى الحجم الذي هو عليه اليوم. إذا صمدت نظرية الانفجار العظيم ، فإن الكون له حجم محدود منطقيا, إلا إذا كان قد توسع في مرحلة ما بسرعة غير محدودة.
إن ملاحظاتنا محددة بحقيقة أن الضوء له سرعة محدودة وأن هناك بالتالي حدا لمدى النظر في الكون. يتحدث علماء الفلك عن "الكون المرئي" وقدّروا أنه يمتد مسافة 46.6 مليار سنة ضوئية في جميع الاتجاهات من كوكب الارض. مما يعني اننا لا نعرف شيئا عما يقع بعد تلك المسافة, فالضوء من تلك المسافات البعيدة لا يصل الينا. وكوننا لا نعلم شيئا لا تحل مشكلة حجم الكون. ومرة أخرى فإن أينشتاين هو الذي جعلنا أكثر حكمة واكثر وارتباكا. ففي المسافات الكبيرة فإن مفهومنا المعتاد عن الفضاء بانه ثلاثي الأبعاد ليس كافيا.
على نطاق فلكي يجب أن نضيف بعدا رابعا ...انه:
الوقت.
وهكذا فإن الكون له شكل رباعي الأبعاد يصعب رؤية ما امامه. فربما يعطي الشكل الرباعي للكون حجما لا نهائيا ، أو ربما يعني أن الكون ، كما اقترح أينشتاين نفسه ، محدود ولكن بلا حدود. يبدو الأمر متناقضا، لكن فكّر في سطح كرة أو كعكة لها مساحة محدودة ، لكن يمكننا رسم خط مستقيم عليها والاستمرار في رسمها دون أن نلتقي بحدود. لا نعرف حتى الآن ما إذا كان هذا هو الحال.
ربما تنحرف الرياضيات هنا أيضا عن الفيزياء.
ربما ببساطة لا توجد نهايات
أو أننا لم ننجح في فهمها جيدا بعد, كما قال أينشتاين نفسه:
"هناك شيئان لانهائيان : الكون وغباء الإنسان. وبالنسبة للكون ، لست متأكدا تماما ".
نهاية اللا نهاية
حصريا لمنتديات درر العراق
الجزء السابق
اينشتاين.. . الرجل الذي جعل الكون منحنيا
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فقار الكرخي
