سأل أحد التلاميذ معلمه الحكيم: من كان معلمك أيها المعلم؟
أجاب المعلم: بل قل المئات من المعلمين.وإن كان لي أن أسميهم جميعاً, فسوف يستغرق ذلك شهوراً عديدة, وربما سنوات, وسوف ينتهي بي الأمر إلى نسيان معضمهم.
التلميذ: ولكن, ألم يكن لبعضهم تأثير عليك أكبر من الآخرين؟؟
استغرق المعلم الحكيم في التفكير بعضٌ من الوقت ثم أجاب:
حسناً, هنالك ثلاثة معلمين تعلمت منهم أموراً على جانب كبير من الأهمية.
من هم أيها المعلم؟
أجاب: أولهم كان ""لصاً""؛ فقد حدث يوماً أنني تُهت في الصحراء, ولم أتمكن من الوصول إلى البيت إلا في ساعة متأخرة من الليل, وكنت قد أودعت جاري مفتاح البيت, ولم أتجرأ على إيقاظه في تلك الساعة المتأخرة,وفي النهاية, صادفت رجلاً طلبت مساعدته, ففتح لي الباب في لمح البصر!! أثار الأمر إعجابي الشديد ورجوته أن يعلمني كيف فعل ذلك, فأخبرني أنه يعتاش من سرقة الناس, لكنني كنت شديد الامتنان, فدعوته إلى المبيت في منزلي.
مكث عندي شهراً واحداً, كان يخرج كل ليلة,وهو يقول: سأذهب إلى العمل, أما أنت, فداوم على التأمل وأكثر من الصلاة. وكنت دائماً أسأله عندما يعود عما إذا كان قد غنم شيئاً, وكان جوابه يتخذ دائماً منوالاً واحداً لا يتغير: "لم أوفق اليوم في اغتنام شيئ, لكنني سأعاود المحاولة في الغد إن شاء الله" .
استطرد المعلم قائلاً: لقد كان رجلاً سعيداً,لم أره يوماً يستسلم لليأس جراء عودته صفر اليدين. من بعدها, وخلال القسم الأكبر من حياتي, عندما كنت استغرق في التأمل يوماً بعد يوم من دون أن أحقق اتصالي بالله, كنت أستعيد كلمات ذلك اللص: ""لم أوفق بشيء اليوم, لكنني سأعاود المحاولة في الغد إنشاء الله"" إلى أن أحقق اتصالي بالله.
التلميذ: ومن كان معلمك الثاني أيها المعلم؟
المعلم: لقد كان كلباً. فقد حدث أن كنت متوجهاً إلى النهر لأشرب قليلاً من الماء, عندما ظهر هذا الكلب؛ بدا أنه كان عطشاً للغاية, لكنه عندما اقترب من حافة النهر, شاهد كلباً آخر فيه, ولم يكن هذا سوى انعكاس لصورته في الماء.
استطرد قائلاً: دب الفزع في الكلب, فتراجع إلى الوراء وراح ينبح لإخافة وإبعاد الكلب الآخر, ولم ذلك لم يحصل, إلى أن قرر في النهاية,وقد غلبه الظمأ الشديد, أن يواجه الوضع, فألقى بنفسه في النهر, وكان أن اختفت الصورة هذه المرة.
أخيراً, فقد كان معلمي الثالث طفلاً صغيراً,رأيته ذات مرة يسير باتجاه الجامع, حاملاً شمعة بيده, فبادرته بالسؤال: هل أضأت هذه الشمعة بنفسك؟ فرد علي الصبي بالإيجاب.ولما كان يقلقني أن يلعب الأطفال بالنار, تابعت بإلحاح, اسمع يا صبي؛ في لحظة من اللحظات كانت هذه الشمعة مطفأة, أتستطيع أن تخبرني من أين جاءت النار التي تشعلها؟؟
ضحك الصبي, وأطفأ الشمعة, ثم رد يسألني:وأنت يا سيدي, أتستطيع أن تخبرني إلى أين ذهبت النار التي كانت مشتعلة هنا؟؟
أستطر المعلم قائلاً: أدركت حينها كم كنت غبياً, من ذا الذي يشعل نار الحكمة, وإلى أين تذهب؟ أدركت أن الإنسان على مثال تلك الشمعة, يحمل في قلبه النار المقدسة للحظات معينة ولكنه لا يعرف إطلاقاً أين أشعلت,وكيف, ومتى. كان لي يا بني طوال حياتي الآلاف من المعلمين, كنت تلميذ الحياة وما زلت تلميذها, وبتُّ أثق أن نار الحكمة سوف تتوهج داخلي, وستنير بصيرتي, ما دمت تواقاً للقياها.
تأملات