.
سألت أبى ما معنى الأرض ..أبى شجرة جميز ضخمة تجاوزت ستين عاما ، هذا يعنى أن أبى تورط كثيرا فى حب شئ لا يستطيع فهمه ..ربما لأنه ولد هنا ..أو لأنه شاهد دما كثيرا يجرى فى عروقها حين اشترك فى الحرب ،ما يجمع بين الأرض والجسد هو الدم
الزمن يوطد جذورنا فى الأرض،يصبح شكل السماء بديهيا
نحكى ..والحكى لا يعتمد فقط على شتات اللغة،بل يتشكل من عجين الوقت بالمكان ،
ما الذى يجعلك تؤمن بأن شيئا خرافيا كالوطن يستحق أن تموت لأجله !
وبشكل عميق فى اللاوعى،فى البدء لم يكن وطن ،كانت الأرض مشاعا ،الشجر مجانى والعصافير والماء والعشب ..ما جعل كلمةً تولد فجأة من رحم الحرب وتقسيم الثروة واستعباد البشر كالوطن والذى لا يمكن فهمه بعيدا عن التوزيع الجغرافى للرأسمالية للعمل ..هذا ما يجعل إيماننا بالوطن يتلاشى تدريجيا ، أن نعزل الأرض تماما عن الوطن ،
الوطن هو الحدود السياسية لجغرافيا تحميها دبابات
الوطن هو الاستلاب الزائف لمعنى الإنتماء
أما الأرض فى عروقنا الضاربة فى جسد المكان
نتنفس هواء البيوت ، ملامح البشر الطيبين الذين يذهبون بمصائر مجهولة إلى لاجدوى الوقت ..الشوارع التى تصل كخيوط بين أنسجة الجسد الواحد ، فى العمق تتوحد المدن التى تشبه حزننا ..أرصفتنا المتكسرة من القمع ..من الخبز المقدد فى الحلوق ..من شواء الجلد فى صهد الظهيرة ..من البكاء أمام عجز اليد ..من سواد النار التى تلتهم بياض الروح ..
أحس بأننى أفقد عضوا كلما هاجرت من ذاكرة لأخرى
المدن حكايات لا تعلمها سوى العجائز الائى يجلسن على حصير الوقت حين تغرب الشمس من إبرة القلب
يكنسن عتبة البيت من ريح غريبة
ثم يذهبن بأرجل ثقيلة إلى فرشهن المهترئة
لأنهن لسن مرضى
بل لأنهن يحملن ملح الأرض
الذى ترسب عميقا فى كعوبهن .
منقوول