إنّ الكلمة في عرف النحويّين هي "اللفظ الدالّ على معنى مفرد بالوضع". وللإشارة فإن هذا التعريف مثلما يمكن ملاحظته يقوم على مقوّمات ثلاثة:
1-اللفظ: وهو الأصوات المتلفّظ بها الصادرة عن الآلة المصوّتة أو عن جهاز التصويت لدى الإنسان، إلّا أنّه ومن الاحتياط ليس كلّ ما يتلفّظ بها كلمة أو كلام لأّن شرط الكلمة أو الكلام أن يكونا دالّين على معنى. وبالتالي فأنّ للفظ صورة ماديّة محسوسة هي النطق وهي مدركة بالسمع، ومدلولها هو الصورة الذهنيّة المفترضة المتعلّقة بهذا الدالّ. وهذا مذهب يؤكّد على صحّة ما يذهب إليه النحاة بالنظر إلى أنّ اللغة هي منطوقة بالأساس. واللفظ هو ائتلاف الأصوات المتحقّقة أو المقطّعة فيما بينها يستفاد من ائتلافها معنى، يعبّر الناس من خلاله عن المقاصد التي يذهبون إليها.
2-الوضع: الركن الثاني في هذا التعريف المشار إليه هو الوضع. والوضع لا بدّ من توفّره حتّى يكون دالّا، أي أنّه لا بدّ أن يحصل تواضع بشأن الكلمة أو اللفظ ليستفيد منه السامع أو المتكلّم في معرفة المدلول الدالّ عليه. والوضع هو الاصطلاح أو التوافق الجاري بين الناس لإعطاء لفظ ما دلالة معيّنة. وإلّا كيف نعرف أن لفظ "الشجرة" مثلا دالّ على الصورة الذهنيّة المتعلّقة بالشجرة في ذهن أيّ واحد من الناس، بغضّ النظر عن نوعها وحجمها وصورتها، وأنّ لفظ "الأسد" هو صورة دالّة على هذا الحيوان المفترس، وقس على ذلك.
ومن الضروريّ أن يكون اللفظ دالّا على معنى بالوضع لأنّه قد يكون دالّا على بعض الأشياء دلالة طبيعيّة، وذلك من نحو ما يشير إليه ابن يعيش في شرح مفصله من نحو دلالة شخير النائم على الغرق في النوم، ودلالة السعال على أذى الصدر.
3-المعنى المفرد: المعنى المفرد هو المكوّن الثالث من مكوّنات الكلمة على أنّها لفظ. والمعنى المفرد هو المعنى المستفاد من الكلمة المفردة، ذلك أن المعنى المستفاد من الكلمة المركّبة أو الكلم المركّب هو بالضرورة معنى مركّب. والحاصل من هذا أن النحاة في هذه الحالة يقولون صراحة بالمعنى المفرد والمعنى المركّب، مثلما يقولون بالكلمة أو الكلم المركّب. وهذا يقودنا بالمناسبة إلى طرح قضيّة المعنى المفرد الملازم للفظ أو للكلمة المفردة.
ولا يختلف النحاة في اعتبار أن كلمة "مسلم" على سبيل المثال هي كلمة مفردة، وأن معناها معنى مفرد، وهو الدلالة على هذا المتصوّر المتعلّق بصفة المسلم المسندة إلى هذا المرء. وفي المقابل يناقش النحاة أمر كلمات أخرى شديدة الاتّصال بكلمة "مسلم"، وذلك من نحو "مسلمان" و"مسلمون" و"مسلمات"، فهل هذه كلمات مفردة أو مركّبة؟
وتُفضي الآراء إلى أنّ هذه الكلمات هي كلمات مركّبة لأنّ جزأها دالّ على جزء معناها، وهذا تمشّيا مع رأيهم القائل "إن الكلمة المفردة هي ما لا يدلّ جزؤه على جزء معناه". وإذا ما قبلنا أن أجزاء الكلمات المشار إليها ما هي إلا لواحق أو لواصق تلحق بالاسم لتفيد معنى التثنية أو الجمع في المذكر والمؤنث، فما الرأي في كلمات من نحو "مسلمة" أو "المسلم" ما دام التأنيث والتعريف من المعاني الجزئيّة الدالّة، وهما مقولتان نحويّتان بلا جدال؟
لقد تردّد النحاة إزاء هذا النوع من الكلمات فاعتبروه كلمة مفردة أو هو كلمة مركّبة صارت من شدة الامتزاج كالكلمة المفردة. وهذا الموقف في تقديري لا يحلّ في الحقيقة الإشكال، ولعلّه في الواقع ما هو إلّا ضرب من المراوغة لكي لا يقع هؤلاء في التناقض أو الحرج، لأنّ الأمر يقضي والحقّ يُقال أن يكون هذا اللفظ إمّا مركّبا أو غير مركّب.
ولمزيد تقليب المسألة على وجوهها لنغتنم الفرصة لمواصلة النقاش وطرح الفرضيّات بناء على المقدمات التي أنشأها النحاة أنفسهم للتمييز بين المفرد والمركّب، حتّى يستجيب التعريف الذي ضبطناه في مطلع المقال لمتطلّبات واقع الكلمة وتعريفها.
وإذا كانت الكلمة المركّبة هي ما دلّ جزؤها على جزء معناها، من نحو ما أشرنا إليه في "مسلمون" و"مسلمان" وما شابههما، فما الحكم على كلمات من نحو "كُتُب" و"جِمال" و"أقلام" الدالّة على الجمع؟ أليست هذه الكلمات كلمات مركّبة بالنظر إلى المعنى الزائد فيها، ألا وهو معنى الجمع؟ أوليس هذ النوع من الكلمات يتضمّن معنى زائدا، وقس على ذلك ما يحصل في النسبة والتصغير وغيرها؟ ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ، وإنّما نودّ أن نشير إلى ضرب آخر من الأمثلة، وذلك مثال المعرّف بالألف واللام المشار إليه آنفا في مثال من نحو "المسلم" أو "الولد" وما شابههما. وإذا ما قدّرنا هذا الأمر على النحو الذي قدّمناه بتقدير أن هذين المثالين المذكورين هما كلمتان مركّبتان لأنّ كلّا منهما يتضمّن معنى زائدا هو معنى التعريف، فما الحكم يا ترى في كلمات من نحو "مسلم" مثلا؟
أوَلا تدلّ هذه الكلمة بدورها على معنى مركّب، علما أنّها تتكوّن من المعنى الذاتيّ المتعلّق بدلالة الاسم "مسلم"، وهي تتضمّن في الآن نفسه معنى إضافيّا هو معنى التنكير وذلك في مقابل التعريف، مع فارق بسيط أنّ المعنى الإضافيّ في الكلمة الأولى تشير إليه قرينة لفظيّة دالّة، في الوقت الذي تكون فيه هذه القرينة الدالّة في المثال الثاني قرينة صفريّة.
وبناء على هذا نكاد نجزم في خاتمة المطاف بأنّ كلّ الكلمات، أو بالأحرى كلّ الأسماء في العربيّة هي كلمات مركّبة، وأنّ أجزاءها الدالّة على أجزاء معانيها هي ملحقات سواء كانت لفظيّة متحققّة أو هي من باب التقدير. والأمر في الفعل شبيه بما عليه الاسم بل هو أكثر جلاء وبيانا.