مشكلةُ المصطلَح في الدّرس اللغويّ والأدبيّ العربيين نشأت عندَما اتّصلَ هذا الدّرسُ العربيّ الحديثُ بمُنجَزاتِ العلوم الإنسانيّةِ الوافدةِ من الغربِ، فعرَفَ المُصطَلَح في بلادِ العربِ حالةَ فَوضى وحالَةَ خلطٍ واضطرابٍ وعدمِ اتّفاقٍ واستقرارٍ، خاصّةً في الفترةِ الواقعةِ بين أربعينياتِ القرنِ الماضي وستّينياتِه، والسببُ في أزمة المصطلَح اختلاف مناهج الدّارسين الذين كانوا يغترفون من التراث وينحتون منه مصطلَحَهم، والذين يضعون مصطلحات جديدةً لا تعبأ بقواعد اشتقاق المصطلح العربي المناسب، وتجلّت الأزمة على وجه الخصوص في حَركات النقلِ والتّرجمة لما جدّ ويجدّ في ميدان العلوم الإنسايّة خاصّةً وفي اللسانياتِ على وجهه الخصوص . ولكنّ تطوّرَ البحثِ اللغويّ العربيّ بعدَ هذه الفترةِ لم يَمْحُ محواً تاماً أزمةَ وضع المصطلَح العربيّ المناسب للمفاهيم والمقولات اللسانيّة الحديثَة؛ إذ ظلّ المنهجان المختلفان سائدَين، فأولهما يبحث عن مُقابل للمصطلحات اللسانية الغربية في مصطلحات لغوية عربية قديمة ذات حمولة معرفية مختلفة من غير مُبالاة بمناسبتها للمدلول عليه أو عدم مناسبتها، والمنهج الثاني كسرَ قاعدةَ العودة إلى التراث وابتدع مصطلحات غريبةً لا يُفهمُ معناها إلا إذا قُرنَت بأصلها اللاتيني، وهذا مظهرٌ من مَظاهِرِ أزمة البحث العلمي العربيّ في مجال العلوم الإنسانيّة، ومن مظاهِرِ الأزمة أيضاً البُعدُ الفردي في العمل العلمي عند العرب المعاصرين، الذي يوضعُ في مُقابل البعد الجَماعيّ وعمل الفريقِ، عند علماء الغرب وباحثيه.
أمّا المبادرةُ التي قدّمَها الأستاذ د.طه عبد الرحمن في مؤلفاته فهي أنه شقَّ منهجاً جديداً في ابتكارِ المصطلحاتِ واشتقاقها وفقاً لقواعد الاشتقاق الصرفية العربية، مُحققا درجةً عاليةً من الدّقّة في ترجمة مُبدعة مبنيةٍ على الانتقاء والصّياغَة الدّالّة التي تُعبّرُ عمّا يدخلُ ضمنَ دلالة المصطلَح، ساعَدَه على ذلك علمُه الواسع بالدلالة والمنطق، وإلمامُه الجيد بفلسفة اللغة، واطّلاعه الكبير على التراث اللغوي والفلسفي العربي والإسلاميّ، ومعرفتُه الجيدة بأصول الصرف والاشتقاق ونحت المصطلحات، فتلكَ المعارفُ والعلومُ والمناهجُ منحته مَلَكَةَ اشتقاق المصطلح المناسب وإبْداعه، ومن ذلك مصطلح التداوليات وغيرها من عشرات المصطلحات المبثوثة في كتبه الفلسفية والحجاجية...