تحكي امرأة عجوز تجاوز بها العمر السبعون عاما قصة حياتها المليئة بالمأساة والألم والحسرة…
كنت فتاة جميلة للغاية من عائلة محدودة الدخل، كنا نسكن بالريف بطريقة بسيطة للغاية لا تحتاج الكثير من المال لإنفاقه، وعندما بلغت السبعة عشرة عاما من عمري تقدم لخطبتي شاب من أسرة غنية وميسورة الحال لأبعد الحدود، تمت الموافقة عليه من جميع الأهل والأقارب، وامتدحه الكل بلا استثناء فلم يختلف على هويته وهوية عائلته اثنان؛ علاوة على حسد كل فتيات القرية على حظي اليسر والجيد.
عشت أسعد أيام بحياتي لم أفكر أو أحلم بشيء إلا ويحقق لي، ارتديت ثوب الزفاف الأبيض من ماركة عالمية، عهد أباه إلى حفل زفاف لم يشهده الأهل من قبل، كان ضخما للغاية ومدعو عليه أكثر المشاهير بزمننا، كانت فرحته تتعدى الوصف، حيث أنه لم ينجب إلا ابنين صبيين، زوجي وهو الأصغر سنا ولكنه الأكثر خبرة بالحياة وبطرقها المعوجة، أما أخيه الأكبر فقد كان متدنيا للغاية لدرجة الزهد بكل ملذات الحياة لذلك فقد كان والدهما موكلا كافة أمورهم المالية لزوجي وكان يعتمد عليه في الصغيرة والكبيرة بخلاف أخيه الأكبر الذي كان لا يحب من الحياة شيء.
سكنت بقصرهم الفخم وجميل المنظر، فبحياتي لم أرى مكانا شبيها بجماله، كانت والدة زوجي تعاملني بكل حب وكأنني ابنتها التي لم تلدها، وبعد مرور شهران على زواجنا اكتشفت أنني حاملا، و يا لفرحتهم جميعا بحملي و يا لسعادتي بزيادة حسنهم في معاملتي، إنهم حقا أناس كما وصفوا لنا لم تغرهم كثرة المال الذي لديهم وتتسبب لهم بفساد أخلاقهم، لقد كانوا آية في حسن الأخلاق والكرم مع الغريب قبل القريب.
وضعت ابنا ما أجمله وأبهاه، بارك لي والد زوجي ولكنني رأيت دموعا متساقطة من عينيه وهو يقبل طفلي الرضيع، فسألته عن السبب الذي يحزنه لهذا الحد وأصررت عليه بإلحاح متواصل حتى أخبرني بما يحزن قلبه، عدم زواج ابنه الأكبر وعدم تطلعه لموضوع الزواج والإنجاب من الأساس، أخبرني بأنه لم يعد كما كان وأن الأعمار بيد الله، وطلب مني إقناع ابنه الأكبر ومساعدته في اختيار عروس مناسبة وذات خلق مثلي، وعدته بذلك ولكني وقتها لم أكن سليمة النية، فقد كان كل ما يشغل بالي زواجه ومن ثم إنجابه ومن ثم تقسيم التركة على اثنين بدلا من زوجي وأبنائي، زوجي الذي لا أكاد أراه بسبب انشغاله بالعمل الدائم ليلا نهارا.
خطرت ببالي فكرة ورديتها لزوجي والذي أبدى إعجابه بها فعليا، لقد اخترت لأخيه امرأة مطلقة ولكنها صغيرة بالسن وعلى خلق ودين، ولكن سبب طلاقها لأنها عقيم، وبهذه الطريقة ستؤول كامل التركة لزوجي وأبنائنا، سر كثيرا بفكرتي وبدأنا في التجهيزات أول ما استطعت إقناع شقيق زوجي والذي قال جملة واحدة: “توكلت على الله” على الرغم من علمه بأنها مطلقة.
تزوج وكان الجميع فرحا مسرورا بسبب زواجه أخيرا بعد طول انتظار وفقدان أمل من الجميع، وجميعهم نسب الفضل لي بعد الله سبحانه وتعالى، ولكن لم يعلم الجميع بنواياي الخبيثة، وما هو إلا شهر واحد حتى علمنا جميعا بخبر حملها، صدمت من الخبر وكيف يعقل وقد طلقها زوجها السابق بسبب كونها عقيم!، هذه إرادة الله التي حاولت منع حدوثها، يا لي من ضعيفة خسيسة.
أنبني زوجي ولكنه حالما لاحظ الفرحة في عيني والديه وأخيه نسي الأمر كله، ولكنني لم أنسى مطلقا، ذهبت للصيدلية وادعيت بأنني حامل وأريد أن أتخلص من الجنين الذي بداخلي مع العلم بأنني أريته قسيمة زواجي حتى لا يشك بأمري، رفض رفضا شديدا ولكن بمجرد أن وصلت إلى باب الصيدلية وهممت الرحيل منها، استوقفني وأعطاني علبة مليئة بالحبوب وأخبرني بأنها ستمنع نزول الجنين إلا بموعد وضعه الطبيعي ولكنه سيكون حينها في تعداد الموتى، حقيقة أسعدني ما أسمعني الطبيب، هذه فضل طريقة حتى لا يشك أحدا بأمري وأولهم زوجي.
داومت على وضع حبة بكوب العصير لها يوميا، وحينما حان موعد الوضع، وضعت توأما من الذكور، مصيبتي مصيبتين، على الفور ذهبت للصيدلي ووضعت علبة الحبوب أمام ناظره وسألته عنها مستنكرة فعلته، فذكرني بالله وبعقابه الشديد الذي ينزل بكل من ظلم وابتغى الفساد في الأرض، كلماته أحيت بداخلي ما تربيت عليه، وإلى يومنا هذا أستغر ربي وأتوب إليه ألف مرة كل يوم.