✿ قصة من عالم البرزخ ✿♡ رحلة البقاء 2 ♡
الجزء 32 والاخير
طال اللقاء، ولا أحد يرغب في نهايته، وقدم للحاضرين ما شاء ربي من نعيم الجنة ومأكلها ومشربها، ولم ينقص منها شيء، وارتفعت درجات العديد منا بشفاعته، وزالت عن بعضنا سمة عتقاء جهنم التي رافقتنا منذ خرجنا منها، فأصبحنا لا نختلف عن بقية سكان الجنان من أصحاب المقامات العالية ثم غادرنا...
أجل غادرنا، ودموع الحاضرين تسيل أسفا على فراقه، وشوقا للقائه مرة أخرى...
مضى وقت طويل، ونحن ننتظر قدوم والدتي إلينا، حتى جاء خبرها أنها في الطريق، وسوف تصل إلى مكان ( ملتقى الأحبة ) عند جنة من جنان الخُلد. توجهتُ مع زوجتي إلى ذلك المكان بعد أن أعلمتُ هدى بالأمر.
وصلنا المكان المقصود، فكان جنة من أوسع الجنان، تفوق جنتي بكثير، وفيها أصناف من الملائكة أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، وفيها من الخدم والجواري ما يزيد على مملكتي، بل على جميع الممالك المجاورة.
تقدمنا أكثر بهدف الوصول إلى موقع اللقاء، وكانت الجواري النابتات على جانبي الطريق تلتمسنا لنتناول ما في أيديها من الكؤوس. أما الأشجار فكانت تنحني لنا بأغصانها علنا نقتطف شيئا من ثمارها، والأنهار تنادينا بأمواجها أملا بالاقتراب والدنو منها.
لم يشغلني ذلك كله عن الشوق للقاء والدتي وأحبتي من أهل بيتي، لا سيما بعد أن علمتُ أن عملي الصالح قد سعى في جمع من صلح من عائلتي وهم الآن بانتظاري.
ما ألطف تلك اللحظات التي لا يستوعبها وصف واصف، ولا يعطي حقها ذو حق، إذ كانت الأفكار تلاعبني وتجرني بأمواجها يمينا وشمالا، فلا أعلم أي من أهل بيتي نجا، وأيهم هلك في نار نزاعة للشوى. كان هذا حالي في طريقي إليهم، وما غادرني شوق لقائهم، ولا لهفة رؤيتهم، حتى وصلتُ مشارف مستقرهم، فالتفتُ إلى الحوراء، وقلتُ لها:
— هل يمكن لكِ تصور كيف تكون مشاعر شخص يريد اللقاء بأهله بعد آلاف من السنين؟
استغربتُ من جوابها، إذ قالت:
— نعم إني أعلم ما تشعر به الآن.
— وكيف؟
— إنه عين الإحساس الذي كان لدي عندما علمتُ بدخولك جنتكَ، وقرب اللقاء بكَ بعد انتظار طال آلاف من السنين.
تذكرتُ ابني مرتضى الذي فارقته صغيرا حين رحيلي من الدنيا، ولم يكن قد تجاوز الرابعة من عمره، وتذكرتُ هديته لي بعد ثلاثين عاما من فراقه والتي كانت سبب نجاتي من عذاب البرزخ. لابد أن يكون قد نجا ونال جنان الخُلد، بل لعله في مرتبة أعلى من مرتبتي. تذكرتُ أختي وأخوتي وزوجتي و...آه ليتني أصل إليهم، وليتهم يكونوا جميعا الآن في انتظاري.
دخلتُ مع الوفد الذي برفقتي، واستقبلتنا الملائكة بأشد الترحيب، وأعذب الأناشيد، وساروا بنا إلى المقصد المنشود، واللقاء الموعود، فأطلت علينا اشراقاتهم.
أجل، إنهم أهل بيتي بعينهم وحقيقتهم، عرفتهم وما جهلتُ واحدا منهم، ولكني افتقدتُ بعضهم. عانقتُ أول شخص منهم، وقد كان مقصدي الأول فيهم، وفاء مني إليه، وأداءَ شكر له، ولطيف أن يتعانق الوالد مع ولده وكلاهما في سن الثلاثة والثلاثين(1)!
أما والدتي فكانت تبدو بنت الخامسة والعشرين من عمرها، وقد غشيها جمالها الباهر، وإشراق وجهها الزاهر. قامت وتقدمت نحوي، وضمتني إلى صدرها الذي ابتل بدموعها الجارية، وقالت:
— قد وفيتَ بوعدك لي ياسعيد كما وفيتَ مع أختك.
أجبتها وقد اختلطت دموعي بدموعها المتلألئة من فرحة اللقاء:
— الفضل أولا وأخرا لله الذي صدقنا وعده، ومن أصدق من الله قيلا...
الى هنا انتهت قصة سعيد في عالم يوم القيامة
ونسال الله تعالى ان نكون ممن سمع واتعظ.. وان يرزقنا واياكم بحسن العاقبة ويسكننا في جنانه بجوار محمد وال محمد