عيب الشكل والإجراءات في القرار الإداري

يتحقق هذا العيب عندما يصدر القرار الإداري من دون مراعاة الإدارة للشكل أو الإجراءات التي نص عليها القانون ويتعلق هذا العيب بالمظهر الخارجي للقرار الإداري ونتناول في هذا الجزء من الدراسة عيب الشكل والإجراءات من خلال بحث مفهومه وصور قواعد الشكل وأخير تغطية هذا العيب .
المطلب الأول: تعريف عيب الشكل والإجراءات

يقصد بعيب الشكل في القرار الإداري أن تهمل الإدارة القواعد والإجراءات الشكلية الواجب إتباعها في القرار الإداري .
ومن ثم يكون القرار معيبا في شكله إذا لم تحترم الإدارة القواعد الإجرائية والشكلية المقررة لصدوره بمقتض القوانين واللوائح كما لو اشترط القانون إجراءات تمهيدية تسبق اتخاذ القرار أو استشاره جهات معينه أو تسبيب القرار ولم تتبع الإدارة ذلك.
والأصل في القرار الإداري أن لا يتطلب إصداره شكلية معينة ألا أن القانون قد يستلزم إتباع شكل محدد أو إجراءات خاصة لا إصدار قرارات معينة، وفي غير هذه الحالات تتمتع الإدارة بحرية تقدير واسعة في إتباع الشكل الملائم لا إصدار قراراتها.
وعندما يشترط القانون إتباع شكل أو أجراء معين إنما يسعى من جهة لتحقيق مصلحة الأفراد وعدم فسح المجال للإدارة لإصدار قرارات مجحفة بحقوقهم بطريقة ارتجالية، ومن جهة أخرى يعمل على تحقيق المصلحة العامة في إلزام الإدارة بإتباع الأصول والتروي وعدم التسرع في اتخاذ قرارات خاطئة .
ومنه فالشكل والإجراءات ليسا من النظام العام إلا إذا اشترط المشرع إتباع شكل أو إجراء معين [1].
ويحدد القانون بمعناه العام قواعد الشكل والإجراءات بما ينص عليه الدستور أو التشريع العادي أو الأنظمة كذلك تؤدي المبادئ القانونية العامة دوراً مهماً في ابتداع قواعد شكلية غير منصوص عليها في القانون والأنظمة بالاستناد إلى روح التشريع وما يمليه العقل وحسن تقدير الأمور [2] .
المطلب الثاني: صور قواعد الشكل والإجراءات

درج القضاء الإداري على التمييز بين ما إذا كانت المخالفة في الشكل والإجراءات قد تعلقت بالشروط الجوهرية التي تمس مصالح الأفراد وبين ما إذا كانت المخالفة متعلقة بشروط غير جوهرية لا يترتب على إهدارها مساساً بمصالحهم ويترتب البطلان بالنسبة للنوع الأول دون الثاني .
والتمييز بين الأشكال الجوهرية والأشكال غبر الجوهرية مسألة تقديرية تتقرر في ضوء النصوص القانونية ورأي المحكمة وبصورة عامة يكون الإجراء جوهرياً إذا وصفه القانون صراحة كذلك أو إذا رتب البطلان كجزاء على مخالفته . أما إذا صمت القانون فإن الإجراء يعد جوهرياً إذا كان له أثر حاسم في مسلك الإدارة وهي تحدد مضمون القرار الإداري أما إذا لم يكن لذلك الإجراء هذا الأثر فإنه يعد إجراء ثانوياً ومن ثم فإن تجاهله لا يعد عيباً يؤثر في مشروعية ذلك القرار .
وقد استقر القضاء الإداري على أنه لا ينبغي التشدد في التمسك بالقيود الشكلية إلى حد تعطيل نشاط الإدارة، فالعيب الذي من شأنه أن يبطل القرار الإداري هو ذلك الذي يؤثر في مضمون القرار أو ينتقص من الضمانات المقررة لصالح الأفراد المخاطبين به في مواجهة الإدارة.
ونتناول فيما يلي هذين النوعين من قواعد الشكل والإجراءات .
أولاً- الأشكال التي تؤثر في مشروعية القرار الإداري:
لا يمكن أن نحصر الأشكال والإجراءات التي يترتب على مخالفتها بطلان القرار الإداري، إلا أن المستقر في الفقه والقضاء الإداري أن أهم هذه الشكليات تتعلق بشكل القرار ذاته وتسبيبه والإجراءات التمهيدية السابقة على إصداره .
1. شكل القرار ذاته:
من المتفق عليه أنه ليس للقرار الإداري شكل معين يجب أن يصدر فيه فقد يأتي القرار شفوياً أو ضمنياً، إلا أن القانون قد يشترط أن يكون القرار مكتوباً وفي هذه الحالة يتوجب على الإدارة إتباع الشكل الذي تطلبه المشرع و إلا عد قرارها مخالفاً لشكل جوهري مما يؤدي إلى أبطاله .
2. تسبيب القرار الإداري:
الأصل أن الإدارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها إلا إذا تطلب القانون ذلك، فمن المبادئ المقررة أن القرار الإداري الذي لم يشتمل على ذكر الأسباب التي استند عليها، يفترض فيه أنه صدر وفقاً للقانون وأنه يهدف لتحقيق المصلحة العامة، وهذه القرينة تصحب كل قرار إداري لم يذكر أسبابه وتبقى قائمة إلى أن يثبت المدعى أن الأسباب التي بنى عليها القرار المطعون فيه هي أسباب غير مشروعة .
أما إذا اشترط القانون تسبيب بعض القرارات فقد استقر قضاء محكمة العدل العليا على أن هذا التسبيب يعد أحد عناصر الجانب الشكلي للقرار يترتب على إغفاله بطلان القرار ولو كان له سبب صحيح .
واشتراط المشرع تسبيب بعض القرارات الإدارية يعد من أهم الضمانات للأفراد لأنه يتيح للقضاء مراقبة مشروعيتها فضلاً عن أن معرفة الأفراد للأسباب التي دعت الإدارة لاتخاذ قرارها يسهل عليهم الطعن فيه أمام القضاء، كما أن التسبيب يجعل الإدارة أكثر حذراً وروية عند إصدارها لقراراتها تجنباً للطعن فيها.
ولتوفير هذه الضمانة يجب أن يكون التسبيب جدياً ومحدداً وواضحاً بما يسمح للقضاء من بسط رقابته على مشروعية القرار، و إلا فإن القرار يعد بحكم الخالي من التسبيب مما يؤدي إلى إبطاله، ونظراً للأهمية التي يوليها المشرع لتسبيب القرارات الإدارية نحد أن المشرع الفرنسي قد أكد في قانون 11/7/1979 ضرورة تسبيب جميع القرارات الفردية التي لا تكون في مصلحة الأفراد، واشترط أن يكون التسبيب مكتوباً إلا في حالة الضرورة القصوى والحالات التي تنطوي على قرارات ضمنية أو الصادرة في حالات مستعجلة [3].
3. الإجراءات السابقة على اتخاذ القرار:
يشترط القانون في بعض الأحيان على جهة الإدارة سلوك إجراءات قبل إصدار قرارها و ويترتب على إغفال إتباع هذه الإجراءات بطلان قراراها .
ومن قبيل ذلك مخالفة الإدارة للإجراءات الواجب إتباعها في قراراتها التأديبية مثل إعلان المتهم بالوقائع المسندة إليه قبل الجلسة المحددة لمحاكمته وبيان وصف التهمة وتاريخ ارتكابها وزمان ومكان محاكمته وسماع دفاعه عن نفسه إلى غير ذلك من إجراءات جوهرية تحقق الضمانات الأساسية التي يقوم عليها التحقيق .
وقد يشترط القانون استشارة جهة معينة قبل إصدار الإدارة قرارها، وقد تكون هذه الجهة فرداً أو هيئة أو لجنة ما، وقد تكون الإدارة ملزمة برأي تلك الجهة أو غير ملزمة به وفقاً لما ينص عليه القانون، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الإدارة في هذه الحالات جميعاً ملزمة باحترام الشكلية التي فرضها القانون وأخذ رأي تلك الجهة وإلا كان قرارها معيباً وجديراً بالإلغاء .
4. الشكليات الخاصة باللجان والمجالس:
يتطلب القانون أحياناً إجراءات خاصة لانعقاد اللجان أو المجالس انعقاداً صحيحاً فقد ينص على ضرورة اكتمال النصاب القانوني ويعد الجلسة باطلة إذا اقتصرت الدعوة على عدد معين من الأعضاء دون الآخرين .
وإذا كان حضور أعضاء المجالس واللجان وفق التكوين الذي حدده القانون يشكل ضمانة مهمة للأفراد، فإنه لا مجال للقول بأن زيادة أعضاء هذه المجالس يشكل زيادة في هذه الضمانة لأن الضمانات المقررة في القوانين واللوائح لا تتحقق إلا بأتباع الإجراء الذي حدده المشرع .
ثانياً- الأشكال التي لا تؤثر في مشروعية القرار الإداري:
من المستقر في القضاء الإداري أنه لا يترتب البطلان على كل مخالفة للشكليات دون النظر إلى طبيعة هذه المخالفة ورتب البطلان على إغفال الشكليات الجوهرية دون الثانوية , ومن الشكليات التي لا تؤثر في مشروعية القرار الإداري :
1. الأشكال والإجراءات المقررة لمصلحة الإدارة:
على عكس الأشكال المقررة لصالح الأفراد، اعتبر القضاء الإداري الأشكال والإجراءات المقرة لمصلحة الإدارة أشكال وإجراءات ثانوية لا يترتب على مخالفتها الحكم بإبطال القرار الإداري وهنا لا يسمح للأفراد أن يستندوا إلى الإجراءات المقررة لمصلحة الإدارة وحدها للتوصل إلى إلغاء القرارات الإدارية .
ومثال هذه الشكليات اشتراط تقديم ضمان مالي أو شخصي قبل منح رخصة معينة، فإذا أغفلت الإدارة هذا الإجراء فلا محل للطعن ببطلان القرار الإداري .
وهذا الاتجاه لم يسلم من النقد من جانبين الأول أنه من الصعب تحديد الحالات التي تكون فيها الأشكال مقررة لمصلحة الإدارة وحدها، والثاني أن هذه الأشكال هي في الحقيقة مقررة لتحقيق الصالح العام وليس الإدارة وحدها .
كما أن الطبيعة الموضوعية لدعوى الإلغاء التي تختصم القرار الإداري ذاته تتعارض مع النظر إلى مصالح أطراف النزاع .
2. الأشكال والإجراءات التي لا تؤثر في مضمون القرار:
يتغاضى القضاء الإداري أحياناً عن مخالفة بعض الشكليات التي يعدها ثانوية لا تؤثر في مضمون القرار الإداري ومن قبيل ذلك إغفال الإدارة الإشارة صراحة في صلب قرارها إلى النصوص القانونية التي كانت الأساس في إصداره، أو عدم ذكر صفات أعضاء اللجان والمجالس في صلب القرارات الصادرة عنها .
ويبدو ظاهرياً أن هذا الاتجاه من القضاء يهدف إلى التقليل من الشكليات التي تضر بعمل الإدارة وتقيدها عن أداء وظيفتها، إلا أن القول به لا شك سيؤدي إلى تعسف الإدارة وادعائها بأن أغلب الإجراءات والإشكال لا تؤثر في مضمون القرار الإداري ولها سلطة تقديرية في هذا المجال، ولا يخفى ما لذلك من تأثير سلبي على سلطة القضاء الإداري في الرقابة على مشروعية قرارات الإدارة. ومن ثم فإن احترام المشروعية يقتضي من الإدارة أن تلجأ إلى المشرع لإلغاء ما تعده مقيداً لنشاطها من شكليات إذا كانت مقررة بنص تشريعي وأن تعمد إلى إلغاء الشكليات غير الجوهرية إذا كانت مقرر بنص لائحي [4] .
المطلب الثالث: تغطية عيب الشكل والإجراءات

درج القضاء الإداري المقارن على القول بأنه يمكن تلافي إلغاء القرار المعيب بعيب الشكل الجوهري بإتباع أربع وسائل يمكن عن طريقها تغطية هذا العيب وهي استحالة إكمال الشكليات والظروف الاستثنائية وقبول صاحب الشأن والاستيفاء اللاحق للشكل .
أولاً- استحالة إتمام الشكليات:
اتجه القضاء الإداري في فرنسا ومصر الى القول بأنه إذا استحال إتمام الأشكال والإجراءات من الناحية المادية فيمكن تجاوز هذه الأشكال .
والاستحالة التي تجوز فيها للإدارة أن تتحلل من الشكلية التي يفرضها القانون هي الاستحالة المادية الطويلة، لأن الاستحالة المؤقتة لا تكفي لتبرير إغفال الإدارة للأشكال المطلوبة .
ومن أمثلة الاستحالة المادية المانعة من إتمام الشكليات عدم سماع دفاع الموظف المتهم إذا كان ذلك راجعاً إلى استحالة مادية حقيقية تعود إلى عدم تركه لعنوانه، واستحالة الاستدلال على هذا العنوان وكذلك رفض أحد أعضاء اللجنة الحضور رغم تبليغه بقصد تأخير القرار .
ثانياً- الظروف الاستثنائية:
تضطر الإدارة أحياناً إلى إغفال الشكليات الواجب مراعاتها قانوناً تحت ضغط الظروف الاستثنائية، وقد سبق أن بينا أن نظرية الظروف الاستثنائية توسع من نطاق مبدأ المشروعية، وتؤدي إلى تحرر الإدارة من كثير من القيود القانونية ومنها ما يتعلق بقواعد الشكل والإجراءات فلا تعد القرارات الصادرة مخالفة للأشكال والإجراءات التي يتطلبها القانون لصدورها في ظل هذه الظروف.
ثالثاً- قبول صاحب الشأن:
من المقرر فقهاً وقضاءً أن الأصل في الشكليات والإجراءات أنها مقررة لمصلحة عامة قدرها المشرع، فهي تمس الصالح العام، ومن هنا فإن قبول ذوي الشأن للقرار المعيب لا يؤدي إلى تصحيح العيب وزوال البطلان .
إلا أن بعض أحكام القضاء الإداري قد خرجت عن هذا الاتجاه وذهبت إلى قبول المخالفة أو العيب الذي انطوى عليه القرار الإداري وتنازل من شرع الشكل لمصلحته عن التمسك بالبطلان إذا لم يكن هذا الشكل متعلقاً بالنظام العام .
رابعاً- الاستيفاء اللاحق للشكل:
انقسم الفقه والقضاء الإداري بشأن إمكانية تصحيح عيب الشكل باستيفاء الإجراءات أو الأشكال التي أهملتها الإدارة بعد صدور القرار المعيب فقد ذهب جانب من الفقه معززاً رأيه ببعض أحكام القضاء إلى عدم جواز تصحيح الأشكال والإجراءات بعد صدور القرار لأن هذه الإجراءات إنما وضعت كضمانة للأفراد وللمصلحة العامة قبل إصدار الإدارة قرارها فإذا أهملت الإدارة هذه الضمانة فقرارها يكون معيباً ومستحقاً للإلغاء، ولا يجوز للإدارة أن تصحح هذا العيب لتعطي القرار أثراً رجعياً لأن ذلك يمنح الإدارة رخصة الخروج على قواعد الشكل .
وذهب جانب آخر من الفقه إلى قبول تصحيح القرار باستيفاء الشكلية بعد صدور القرار تجنباً لإلغائه .