المشهور في كتب النحو ذكر النعت المقطوع في سياق ذكر أحوال حذف المبتدأ وجوبًا مثل: لقيت زيدًا الكريمُ، ومررت بزيدٍ الكريمُ، وأما قطع العطف فيرد ذكره في تأويل الآيات والأشعار، وربما عرض في مسألة استئناف المعطوف، وفي هذا خصص له عبدالوهاب محمود الكحلة فصلًا في رسالته (العطف في اللغة العربية) هو (الفصل الثالث والعشرون) بدأه بقول الرضي "وعلم أنه يجوز المخالفة في الإعراب، إذا عرف المراد، نحو: مررت بزيدٍ وعمرٌو، أي: وعمرٌو كذلك، ولقيت زيدًا وعمرٌو، أي: وعمرٌو كذلك، قال[الفرزدق]:
وَعَضُّ زمانٍ يا ابنَ مروانَ لم يدعْ *** منَ المالِ إلا مُسْحَتًا أو مُجَلَّفُ
المسحت المذهَب، والمجلّف المأخوذ الجوانب، الذي بقيت منه بقية، فقوله (مجلفُ) حمل على المعنى، إذ معنى (لم يدع إلا مسحتا) لم يبق من جوره إلا مسحتٌ، ويجوز أن يكون المعنى: أو هو مجلفٌ، و (أو) منقطعة، أي: بل هو مجلف، كما يجيء في حروف العطف، أو يكون (مجلف) مصدرًا عطف على (عضُّ)، كما مر في قوله تعالى: ﴿وَمَزَّقْناهُم كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾"(1). قال الكحلة "ويظهر ذلك في الاسم الصريح أو المؤول أو الفعل المضارع إذا خالف إعرابه المعطوف عليه"(2).
أما الاسم الصريح فقد ورد مثاله في نص الرضي، وأما المؤول فذكر لنا أن المبرد يجيز قطع (أنّ) إذا عطفت على مثلها، قال المبرد "كَمَا قَالَ الله عز وَجل ﴿إنَّ لَكَ أنَّ لَا تَجُوعَ فِيها وَلَا تَعْرَى وأنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى﴾ وَيجوز {وَإِنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا} على الْقطع والابتداء فَالْأولى على قَوْلك ضربت زيدًا وعمرًا قَائِمًا، وَالْقطع على قَوْلك ضربت زيدًا وَعَمْرٌو قَائِمٌ"(3).
أما الفعل المضارع فذكر قول سيبويه "باب اشتراك الفعل في (أنْ) وانقطاع الآخِر من الأول الذي عَمِلَ فيه أَنْ. فالحروفُ التي تُشْرِكُ: الواوُ، والفاءُ، وثُمَّ، وأوْ. وذلك قولك: أريدُ أن تأتيَني ثم تحدِّثَني، وأريدُ أن تفعلَ ذاك وتُحْسِنَ، وأريد أن تأتيَنا فتبايعَنا، وأريد أن تَنطقَ بجميل أو تسكتَ. ولو قلت: أريد أن تأتيَني ثم تحدِّثُني جاز، كأنك قلت: أريد إتيانَك ثم تُحدِّثُني. ويجوز الرفع في جميع هذه الحروف التي تُشْرك على هذا المثال"(4).
ويمكن أن يفسر بذلك رفع (الصابئون) في قوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [المائدة-69]، فهو مقطوع عن العطف لفظًا على اسم (إنَّ)؛ ولذلك يقدر له سيبويه خبرًا، قال "وأما قوله عز وجل: {والصابئون}، فعلى التقديم والتأخير، كأنه ابتدأ على قوله "{والصابئون} بعدما مضى الخبر"(5). وذكر السمين لرفعه تسعة أوجه (6)، والدليل على أنه معطوف على اسم إنَّ، قال السمين "وقرأ أُبي بن كعب وعثمان بن عفان وعائشة والجحدري وسعيد بن جبير وجماعة: {والصابئين} بالياء"