فِي مركَبِ المَوتِ هذا الجيلُ بحَّارُ
والليلُ حلَّ وموجُ البحرِ غدَّارُ
الرِّيحُ تُرعِد ُفي اﻷَفاقِ عاتيةً
والبرقُ يعصِفُ فيه الجو ُّ إِعصارُ
صوتُ الرَّدى بِطبولِ الحربِ مُرتفعٌ
والخَوفُ يلطُمُ في الوِجدانِ زخَّارُ
كفُّ المَنايا استَطالَت والمُنى اندَثرَت
متَى الأمانِي لِهذا الجيلِ تختارُ
لم يبقَ فِي النَّاس مِن روحٍ ولاَ رمقٍ
والموتُ مُمتَشَقٌ والسَيفُ بتَّارُ
ماذا أُحدِّث عن( صنعاءَ )أو(عدنٍ)
وليس إلاَّ اﻷسَى والحُزنُ أخبارُ
أضحَت بِلاَدِي عجوزاً بَعد قُوَّتها
غابَ الجمَالُ وفيها الحُسنُ ينهارُ
أحيائُها رغمَ نُور الشَّمسِ مظلمةٌ
والدُّورُ فِيها اﻷَسى والخوفُ أسرارُ
تبكِي بلاَدي وفِيها الرُّوحُ ذابلةً
و قَد تغامَت بِها شَمسٌ وأَنوارُ
حتَّى الصَّباحاتُ فِيها غيرُ ضاحكةٍ
والصُّبح فِيها كمثلِ الليلِ مُحتارُ
ماعادَ فِي اﻷَرضِ والوديانِ سُنبُلةٌ
ولاَ المُروج بِها وردٌ وأزهارُ
كلُّ الحُقولِ التِي لِلخيرِ قد حمَلَت
ما عادَ ينمُو بِها زرعٌ وأشجارُ
تبكِي العصافيرُ فِيها كلَّما صدَحَت
فِي لَحنِها للأسى والحزنِ إنكارُ
بِلقِيسُ يامن تلَقَّفتِ الهُدى سُبُلاً
لم يَبقَ بعدكِ في الحُكَّام أخيارُ
كانت بلادُكِ للتارِيخ مفخرةً
آثَارُها فِي رُبوعِ اﻷَرضُ إِعمارُ
فِي قمةِ المجدِ قَد صِغت ِالعُلا شرفاً
من الحضارةِ تَزهُو فِيه أَمصارُ
واليومَ حلَّ الردَى يغتالُ أمنيةً
واستَوطَنَ العيشَ فيها الخوفُ والنَّارُ
تُبَاعُ أرضُكِ بَخساً مِثلَ جَاريةٍ
والبيعَ يُجرِيهِ بيَّاعٌ وسِمسارُ
فِي داخلِي القهر واﻷَحزانُ مُضرمةٌ
على بِلادي ودمعي فيَّ أمطارُ
يَقتَاتُ مِنَّا الرّدَى والتِّيهُ يسحقُنا
مُذ غَاب فِي القومِ أخيارٌ و أطهارُ
حتى احتَوتنا المآسِي لاَ تُفارقُنا
ولَم تَزَل تُلتَمَس لِلظُلمِ أعذارُ
وليسَ في أفُقِ الأخبارِ مِن أملٍ
وَمَا سِوى الموت للأجيال تذكارُ
إبراهيم محمد عبده