الأسطورة والمفهوم
تقول الأسطورة إن براهما هو المادة الأساسية الموجودة منذ الأزل، وأنه خلق المياه الكونية ووضع فيها بذرة نمت وأصبحت بيضة ذهبية "هرانیا کاربها" وولد فيها، هو براهما، خالق الكون، وقد شكل براهما وفشنو (الباني)، وشيفا (المدمر) ثالوثًا إلهيا عظيما، وخسر براهما فيما بعد بعضا من مكانته. وقيل إن براهما جوهر العالم، ليس بذكر ولا بأنثى، إنه روح غير مشخص يحتوي كل شيء، ويكمن في كل شيء، ولا تدرکه الحواس.
وهو الخالق مانح الحياة، سيد الآلهة، خلقته السماء ويحارب الأعداء، وهو القوي القادر الذي تصدر عنه جميع الأفعال، وهو يمثل إله الخير، ويعتقد أنه خلق الكون على طريقته. فقد أخذ براهما يتأمل ويفكر طويلا فنشأ عن تفكيره هذا فكرة مخصبة، تطورت إلى بيضة ذهبية، ومن تلك البيضة ولد براهما، خالق كل شيء، فهو الخالق والمخلوق.
وتذهب الهندوسية الحالية إلى أن براهما هو أبو الآلهة، وهو منشیء الكون وحارس العالم، وإن كان الإله الخالق في الفيدا القديمة لا يذكر اسمه، وإنما يطلق عليه لقب، سید المخلوقات، أو، البيضة الذهبية، وكثيرا ما يصور براهما بأربعة رؤوس، وأربعة أيدى ولحية، وهو ينظر في جميع الاتجاهات، ونسجت حول أصله الكثير من القصص: فقد جاء في الملحمة الهندوسية المهابهارتا أن براهما خرج من سرة الإله فشنو. وفي نصوص أخرى أنه عاش على شكل بيضة لمدة ألف عام، ثم خرج منها، ولما كانت الأرض غارقة بالمياه فقد اتخذ شكل الخنزير البري (وفي كتابات هندوسية متأخرة أن الذي قام بهذا التحول وتجسد في هيئة خنزير بري هو الإله فشنو) وغاص تحت الماء ليرفع الأرض على نابيه، ثم باشر براهما بعد ذلك عملية الخلق. وقد كتب عنه الشاعر الأمریكي قصيدة شهيرة بعنوان براهما، أثارت الكثير من التسؤلات بين الناس حتى قال الشاعر لابنته: "قولي لهم أن يضعوا اسم يهوه بدلا من براهما".
قصيدة براهما
"براهما" هي قصيدة لرالف والدو إمرسون، أديب وفيلسوف وشاعر أمريكي، كُتبت عام 1856. سميت باسم "براهمان" المبدأ العالمي.
إذا ظن القاتل المخضب بدماء قتيله أنه القاتل
أو إذا ظن القتيل أنه قتيل
فليس يدريان ما أصطنع من خفي الأساليب
فأحفظها لديَّ، ثم أنشرها، ثم أعيدها
البعيد والمنسيُّ هو إليَّ قريب
والظل والضوء عندي سواء
والآلهة الخفية تظهر لي
وشهوة الإنسان بخيره أو بشره عندي سواء
إنهم يخطئون الحساب مَن يخرجونني من الحساب
إنهم إذا طيروني عن نفوسهم فأنا الجناحان
إنهم إن شكوا في وجودي فأنا الشك والشاك معا
وأنا الترنيمة التي بها البراهمي يتغنى.
وهذه ترجمة أخرى لماجد الحيدر:
براهما
إنْ كانَ القاتلُ المضرّجُ يظنُّ أنه يَقتُلُ
أو كانَ الذبيحُ يظنُّ نفسَهُ ذبيحاً
فهما لا يُدركانِ الطرائقَ الماكرةَ التي
ألزَمُها وأهجرُها.. وأعرِّجُ عليها من جديدٍ.
***
البعيدُ والمنسيُّ مِنّي قريبانِ.
ضياءُ النهارِ والظلُّ عندي سِيان.
الآلهةُ الزائلةُ تَظهرُ بينَ يديَّ.
وسِيانٌ عندي العارُ والاشتهارُ.
***
من يذَرني يعدّوهُ مريضا.
حين يطيرونَ عنّي أصيرُ جناحاً.
أنا الشكُّ والشَكّاكُ.
وأنا الترنيمةُ التي يُنشِدُها البراهميُّ.
تتحرَّقُ الآلهةُ الجبّارةُ لسُكنايَ
وكذاكَ المدائنُ السبعُ دونَ جدوى.
أما أنتَ، يا مُحِبَّ الخيرِ القَنوعَ ..
جِدني ..وأَدِرْ ظَهرَكَ للسماء!
خلق الكون
النظريات التخمينية تقترح أن الكون هو جزء من سلسلة أكوان ذرية من كون سابق وسلف لكون لاحق. هذه الفكرة تشبه الفلسفة الهندوسية القديمة عن الدورات الكونية العظمی: حيث يولد الكون من بيضة کونية تحت درع الإله براهما Brahma، ليرعى حياته ونشاطاته الإله فيشنو Vishnu، ثم يتم تدميره بيد الإله شيفا shiva. وبعدها يظهر كون جدید وهكذا. أو كبديل عن فكرة الدورة هناك الأنفاس العظيمة للإله براهما، فزفيره يخلق عالما، وشهيقه يسحبه إلى الداخل، ثم يزفر عالما جديدا وهكذا.
ويشرح كتاب (منافادارا فاساسترا) أي (قوانین مانو) كيفية خلق الكون والآلهة والبشر، وهذه خلاصة ما ذكره: كان الكون يسوده ظلام وسكون يصعب تصوره ووصفه، من هذا الكون الشواش ظهر براهما ووضع الحياة في الماء لتكون بيضة لامعة لمعان الذهب وبقي فيها براهما الذکر سنة براهمية (وهي بمليارات السنين الأرضية) ثم قسم البيضة إلى سماء وأرض وبينهما الجو وخلق الطبيعة والأشجار والإنسان وأعطاه الشعور وعلمه القرابين، وكان براهما نصفه ذکر ونصفه أنثى أي يسمى (فيراج) فظهر منه مانو الذي ظهر منه المانو السبعة، وهؤلاء وضعوا القوانين والدين وخلق الكشاش وهم آلهة الثروة من الشياطين وخلق جراندهافاس وهم موسيقيو السماء والأسباراس وهم حور السماء.
براهما الذي يمثل القوة النشيطة للكائن المجرد يعيش ويعمل في الكون حيث تمت تسميته بالأب والجد والمنتج. ولا يجب علينا أبدا ترجمة أي اسم من بين هذه الأسماء بالخالق لأن فكرة الخلق ما زالت غير موجودة في اللغة السنسكريتية. وبواسطة الفيض يحدث براهما الكون مثلما يحدث الأب ابنا. وبقانون شبيه كليا بالقانون الذي يطلق عليه الإسكندريون قانون الرجوع ينتزع براهما إليه الكائنات محطما أشكالها المتغيرة. ويعبر الأدب البراهمي عن هذا القانون المزدوج في صورة يقظة براهما ونومه