نُشر حديثًا بحث علمي هام في مجموعة من الأوراق البحثية بواسطة فريق دولي من علماء الفيزياء الفلكية يدعم افتراض نموذج لامدا- سي دي إم Lambda-CDM بأن الكون عمره 13.8 بليون سنة، كما تطابق مع النتائج التي جاء بها مرصاد بلانك الفضائي التابع لإيسا ESA (الوكالة الأوروبية لأبحاث الفضاء).
استخدم الباحثون النتائج القادمة من مجموعة تلسكوبات أتاكاما للكونيات Atacama Cosmology Telescope، الموجودة في صحراء اتاكاما التشيلية، ويتشكل فريق البحث من تعاون دولي لعلماء من 41 مؤسسة علمية من سبع دول مختلفة. يقول عالم الفيزياء الفلكية، كورنيل ستيف تشوي، أحد الباحثين الأساسيين المشاركين في الأوراق البحثية:
وجدنا أن معدل الاتساع يتلائم مع تقديرات فريق بلانك للأقمار الصناعية.
وهو يشير بذلك لدراسات مرصد بلانك الفضائي المخصص لدراسة إشعاع الخلفية الكونية الميكروي cosmic microwave background radiation، ويُكمل :
يُعطينا هذا مزيدًا من الثقة في قياسات أقدم شعاعٍ كوني.
تلسكوب أتاكاما (ACT) في صحراء تشيلي، الذي أجرى قياسات في الدراسة الجديدة لتحديد عمر الكون. مصدر الصورة: ديبرا كيلنر.
وعلى الرغم من أن دراسات المجموعة الدولية اعتمدت على تليسكوب أرضي، فقد جاءت نتائجُها المُبهرة أكثر دقةً من مراصد بلانك الفضائية في قياس الإشعاع الكوني الميكروي وحسب ما تقوله سوزان ستاجر، أستاذة الفيزياء في جامعة برينستون :
“قام مرصد بلانك بقياس نفس الشعاع، إلا أن الصور الجديدة من تلسكوب أتاكاما ACT في الصحراء التشيلية والتي جاءت بدقة أعلى، تكشف عن المزيد من الأنماط القديمة التي لم يسبق لنا رؤيتها من قبل”.
يُذكر أن دراسات مرصد بلانك الفضائي، والتي خرجت للنور في عام 2018 كانت تُعد (حتى يومنا هذا) أهم قياسات الإشعاع الكوني والتي جاءت بمستوى غير مسبوق من الدقة في القياس، إلا أنها اختلفت مع الحسابات النظرية المُقاسة بالبيانات المحسوبة من حركة المجرات القريبة منا والتي نشرها باحثون من جامعة أوريجون عام 2019، إلا أن هذا البحث الجديد والذي جاء مُعتمدًا على بيانات مختلفة عن البيانات التي استعملها مرصد بلانك، يؤكد أبحاث مرصد بلانك مرةً أخرى.
درس الباحثون في جامعة أوريجون، المسافة بين عشرات المجرات المختلفة، من خلال علاقة فيزيائية تعرف باسم تولي-فيشر Tully-Fisher والتي يرتبط عملها بثابت هابل والذي من خلال تحديده بدقه يمكننا معرفة عمر الكون، ومن خلال الحسابات المبدئية لمسافات 50 مجرة، قاموا بتقدير المسافات بين 95 مجرة أخرى ليصبح مجموع المجرات الداخلة في البحث 145 مجرة مما يوفر معطياتٍ جيدة لحساب ثابت هابل، وبالتالي تحديد عمر الكون.
ومن خلال تحليل بيانات تلك المجرات توصل الباحثون إلى أن ثابت هابل يُقدر بـ 75.1 كم/ثا لكل ميجا-فرسخ فلكي، وبتحليل هذا النتائج وجد الباحثون أن عمر الكون لا يتجاوز 12.6 مليار سنة وهو ما يُخالف دراسة الفريق الدولي الذي اعتمد على قياسات إشعاع الخلفية الكونية الميكروي CMB والتي تُشير إلى أن عمر الكون يبلغ 13.8 مليار سنة بحساب تمدد ثابت هابل بمقدار 64.4 كم/ثا لكل ميغا فرسخ فلكي.
اعتمد فريق البحث الدولي على المسح الذي قامت به تلسكوبات أتاكاما في الصحراء التشيلية بين عامي 2013 إلى 2016، والذي قام بمسح إشعاع الخلفية الكونية الميكروي CMB، استمر الباحثون في تحليل تلك البيانات طيلة الأربع سنوات الفائتة ومسح الإشعاعات الميكروية التي لم تنشأ عن الانفجار العظيم (والتي قد تأتي من مصادر كونية أخرى) ثم قاموا بتجميع خريطة شاملة لتلك الأشعة الكونية حتى يقوموا بحساب زمن ساعة الصفر، أي وقت الانفجار العظيم.
يُعرف كذلك إشعاع CMB باسم الشفق الكوني للانفجار العظيم، ووفق الدراسات فهو قد تشكل بعد حوالي 380 ألف سنة من لحظة الانفجار بعد اندماج البروتونات والإلكترونات لتُشكل الذرة الأولى في الكون ومن خلال تحديد المسافة التي قطعها ذلك الشعاع حتى يصل للإرض ، يقول ستوني بورك، أحد أهم رواد الفريق الدولي :
“الحصول على أفضل الصور للكون الوليد infant universe يساعدنا في فهم الكون بشكل أفضل، وفهم كيفية وصولنا لما نحن عليه اليوم في الأرض، وإلى أين نحن نذهب، وكيف يمكن أن ينتهي الكون، ومتى يمكن أن تحدث تلك النهاية”. ويُضيف: “فقط برؤية الصور الأكثر وضوحًا للكون الوليد، سنستطيع أن نفهم بشكلٍ كامل كيف وُلد كوننا”.
صورة من إشعاع CMB الذي توصل له الباحثون. مصدر الصورة: livescience.
من الطبيعي أن يكون هُناك نسبة خطأ في كلا البحثين، وتبلغ نسبة الخطأ هذه 50 مليون سنة- أكثر أو أقل، إلا أن نسبة الخطأ والاختلاف بين دراسة الفريق الدولي وبين دراسة جامعة أوريجون كبيرة للغاية، فالفريق الدولي يشير إلى أن ثابت هابل يقترب من 67كم/ثا، بينما تشير دراسة حركة المجرات إلى أنه يبلغ 74 كم/ثا، وعلى الأغلب هناك خطأ حسابي كبير وقع فيه علماء أوريجون، لأن نتائج الفريق الدولي أكدتها أبحاث مرصد بلانك للفضاء، إلا أنه لا يمكننا الاعتماد على الأغلبية العلمية، ويجب إعادة البحث مرة أخرى في كلتا الدراستين لتحديد أين يكمن الخطأ.
كيف يُقاس عمر الكون ؟
مُنذ عام 1929، اكتشف إدوين هابل أن الكون يتوسع، ومنذ ذلك الحين بدأ العلماء سباقًا لحساب معدل هذا الاتساع، وأُطلق على هذا المعدل ثابت هابل.
في الواقع إن جوهر قياس عمر الكون أبسط مما قد نتصور، أولًا نحن نعلم بشكل أساسي أن الكون يتمدد ويتسع، وبالتالي فإن كل ما علينا فعله هو أن نُحدد مُعدل الاتساع في الوقت الحالي، وباستخدام الفيزياء، نُحدد كيف يتغير هذا المعدل من خلال الزمن، وبالاستعانة بالحسابات العكسية calculating backwards يمكن تحديد نقطة الصفر التي بدأ عندها الانفجار العظيم، تكمن المشكلة الأكبر في قياس معدل التمدد (ثابت هابل) وحسابه ويوجد أكثر من طريقة لذلك، والطريقة المُستخدمة غالبًا في الأبحاث تكون عن طريق حساب أزمنة وصول الأشعة الكهرومغناطيسية الكونية الأولية نحو التلسكوبات الكونية المُنتشرة سواء على كوكب الأرض أو في الفضاء.
أراجيك