استعمل (بنات) في لغة العرب استعمال جمع المؤنث السالم وليس جمع تكسير كجمع (بيت) على أبيات، فأبيات جمع تكسير لبيت، وأما بنات فجمع سلامة؛ ولذلك نصب بالكسرة، ومن شواهد ذلك قول عمر بن أبي ربيعة:
وَتَرَى لَها دَلًّا إذا نَطَقَتْ *** تَرَكَتْ بَناتِ فُؤادِهِ صُعْرا(1)
وقول كثيّر عزة:
نُجِدُّ لكَ القَولَ الحليَّ ونَمْتطي *** إليكَ بَناتِ الصَّيْعَرِيِّ وشَدْقَمِ
وقول جرير:
وهمْ جروا بناتِ أبيكَ غصبًا *** وَمَا تَرَكُوا لجَارِكَ مِنْ ذِمَامِ
الشائع في كتب النحو أن (بنات) جمع سلامة لبنت، قال أبوالبقاء العكبري "فإنْ جمعتَ بِنْتًا قلت بَناتٍ، فحذفت لَام الْكَلِمَة الَّتِي أبدلت فِي الواحدِ تَاء، فوزنُها الْآن فَعَات وإنْ جمعتَ أُخْتًا قلتَ أخَواتٍ، فَلم تَحْذفِ اللاَّمَ، والفرقَ بَينهمَا أنَّ كلَّ واحدٍ مِنْهُمَا بُنِي على مُذَكّره، فمذكَّر بَنَات فِي الْجمع بنُون، فلامُه محذوفة، كَذَلِك مؤنَّثِه، وَالْجمع فِي أَخ إخْوَة من غير حذف كَذَلِك مؤنَّثه"(2).
والمتأمل للواحد المختوم بتاء التأنيث وجمعه بألف وتاء يلاحظ أن الجمع تولد من الواحد بمطل الفتحة قبل تاء التأنيث، مثل: عاملَةٌ> عاملاتٌ؛ فالفتحة القصيرة من (عاملة) صارت فتحة طويلة في (عاملات)؛ ولذلك فالقياس أن يكون (بنات) جمعًا للمفرد (ابنَة) كما كان (بنون) جمع سلامة للواحد (ابن)، ومما يعضد ذلك أن النون من (ابنَة) مفتوحة، وأما النون من (بنْت) فساكنة، ومثل بنات أخوات وهو عندي ليس جمع (أخت) بل جمع أصل مهمل هو مؤنث (أَخَوٌ) أي (أَخَوَةٌ)، ويكون جمعه بمطل فتحة الواو فيتحصل لدينا (أَخَوات).
وليس القول بأنه جمع للأصل بجديد؛ إذ هو قول الرضي "وتقول في جمع بنت، وابنة: بنات، وهي جمع لأصلها، لأن الأصل: بَنَوَة، كما أن بنون جمع أصل ابن، أي بَنَو، على حذف اللام نسيًا في الجمعين، وكذا أخوات جمع أصل أخت، أي أخَوَة بغير حذف اللام، وأَخُون جمع أخ على حذف اللام نسيًا"(3). وأنا أوافق الرضي في الجمع أخوات أما بنات فلست أراها سوى جمع (ابنة) على النحو الذي بينته سابقًا.
وقد يقال ألا يكون جمع بنت بنتات وجمع أخت أختات، وهذا ما أجاب عنه ابن مالك، قال "وكان حق بنْت وأخْت أن يقال فيهما بِنْتات وأُخْتات؛ لأن تاءهما قد غُيّرت لأجلها البنية، وسكن ما قبلها، فأشبهت تاء مَلَكوت، ولأجل ذلك جمع يونس بينها وبين ياء النسب فقال: بِنتيّ وأخْتِيّ، لكنه وافق ههنا على الامتناع من بنتات وأختات؛ لأن تاء بنت وأخت وإن خالف لحاقهما لحاق تاء التأنيث، فهي مخصوصة ببنية لا يراد بها إلا مؤنث، ولفظها كلفظ المستقلة بالدلالة على التأنيث، فكان اجتماعها مع تاء الجمع أثقل من اجتماعها مع ياء النسب، فلذلك اتفق على حذفها في الجمع، واستغنوا عن أبنات ببنات، كما استغنوا عن أبنين ببنين"(4)، وقد يوهم قول ابن مالك بأن أصل (بنات) هو بنتات ثم حذفت التاء نسيًا وهذا متوقف فيه؛ لأنه لا يفسر تحول النون إلى الفتح في بَنات بعد كسرها في بِنتات، وقد يقال فإن النون في الواحد (ابْنة) ساكنة فكيف تحولت إلى الفتح؟ والجواب أن الاسم بدأ بساكن وسبيل النطق به هو إدخال همزة الوصل أو إقحام حركة بعد الساكن، وهذا ما جلب الفتحة وهي أخف من الإبقاء على همزة الوصل، الذي حذفت أيضًا من ابن وعدل إلى فتح الباء حين جمع بواو ونون (بَنون) وهو استغناء ذكره ابن مالك في النص الذي ورد سابقًا. وقد يسأل الآن ما جمع (بنت) إذن؟ والجواب أنه لا جمع لها من لفظها؛ إذ بنات ليس جمعًا لبنت بل لابنة، واستغني بجمع ابنة عن جمع بنت.