يعتبر الزمن في اللغة من المقولات الصرفيّة والنحويّة والمعجميّة الدلاليّة، التي لا يمكن لأيّ لغة من اللغات أن تستغني عنها، والزمن في الأصل ملازم للحدث أو الفعل، وذلك أنّ الحدث، ومن الجانب المنطقيّ أو الفلسفيّ لا بدّ له من مُحدِث، ولا بدّ له أن يجري في دائرتي الزمان والمكان، ولا فعل ولا حدث يتحقّق خارج هذا النطاق.
والتعبير عن الزمن في الاستعمال يأخذ صورا مختلفة في الأداء، وهو يكون في الغالب عن طريق الوحدات المعجميّة الدالّة، أو من خلال تصريف الأفعال، أو من خلال ما توحي به التراكيب، ويستفاد من السياقات أو الأساليب المتّبعة في الكلام.
وتتضمّن الوحدات المعجميّة من جهتها الأسماء والصفات والأفعال والظروف أو الأدوات. ومن الأسماء وعلى سبيل الاستدلال نجد الحين والدهر والعام واليوم والليلة والحاضر والمستقبل وغيرها. ومن الأفعال نجد فَعَلَ وأنجز وحقّق وعمل وأصبح وبات وغيرها. ومن الصفات نجد المعاصر والحديث والقديم والغابر والبائد. ومن الظروف أو الأدوات نجد إبّان وحين وبعد وقبل وغيرها.
وأمّا من خلال التراكيب فيكفي أن نشير إليه بسَوْق أمثلة من نحو: كتبَ الخطاب، ويكتبُ الخطاب، ويكتب الخطاب الآن، وما كتبَ الخطاب، ولم يكتبْ الخطاب، ولن يكتبَ الخطاب، وسوف يكتبُ الخطاب، وكان يكتبُ الخطاب، وبات يكتبُ الخطاب، وظلّ يكتبُ الخطاب، وما زال يكتبُ الخطاب، وما فتئ يكتبُ الخطاب، وطفِق يكتبُ الخطاب، وغيرها. وكلّ هذه التراكيب تدلّ على حالات زمنيّة مختلفة، فيها ما تحقّق الفعل في الماضي أو لم يتحقّق، وفيها ما يُحيل على الحاضر أو المستقبل، وفيها ما تمّ الفعل وانقضى، وفيها ما يجري فيه على امتداد زمن معيّن، وفيها ما بُدئ الشروع فيه، وقِسْ على ذلك.
إنّ صيغ الفعل في العربيّة (أي الماضي والمضارع والأمر)، وإن بدت ملازمة للحدث والزمن، إلّا أنّها غير دالّة عليه بصورة بيّنة، والزمن في الحقيقة لا يبرز من خلالها بروزا جليّا، وذلك على خلاف ما هو شائع ومعتقد عند الكثيرين، لأنّ صيغة الماضي وإن دلّت في الغالب الأعمّ على الزمن الماضي، فإن صيغة المضارع في المقابل لا علاقة لها بالزمن الحاضر ولا المستقبل، لأنّها قد تدلّ على الحاضر أو المستقبل أو الماضي أيضا، بل وتدلّ على الزمن المطلق أيضا. ولا غرابة في هذا، عندما ندرك أنّ المفهوم المتعلّق بالمضارع يشير إلى المضارعة أو المشابهة بين الفعل الماضي والاسم في إعرابه، ولا إلى الفعل بالنظر إليه حدثا في الزمن. ولا تشير صيغة الأمر بدورها إلى أيّ زمن كان، لأنّها دالّة على الطلب أو الأمر أو الاستجداء، وهذا وجه من وجوه اللغة ( mode )، وليس زمنا من أزمنتها، والوجوه في اللغة هي مثل النفي والشرط والتمنّي والإثبات. ولا يخفى أنّ تحقّق الزمن في الفعل لا يعبّر عنه بالفعل وحده، وإن كان تعبيره عنه ضعيفا، مثلما أشرنا إلى هذا، وإنّما تعبّر عنه بعض المشتقّات أيضا، وذلك من نحو اسم الفاعل واسم المفعول والمصدر، مشتقّات لا ينفكّ الزمن يلابسها، وإن كان زمنا مطلقا على حدّ عبارة النحاة.
إنّ الزمن في العربيّة، وبالنظر إلى ما يمكن أن نلاحظه، هو على غاية من التعقيد، وهو لا يتعلّق حقيقة بالفعل وتصاريفه، وإنّما هو يتعلّق وبصورة شائعة بالتركيب النحويّ، أو بإضافة بعض الملحقات إلى الفعل، قد تكون أفعالا أو ظروفا أو أدوات، لتحدّد الزمن وتوجّهه التوجيه المراد، لا من حيث المُضيّ أو الحضور أو الاستقبال فحسب، وإنّما من حيث جريان الفعل، أو الشروع فيه أو انقطاعه، ومن حيث التحقّق التامّ أو غير التامّ له. وهذه الوحدات الدالّة المضافة إلى الفعل في مجملها، هي من باب المعجم أو التصريف أو التركيب، التي يجري بها الاستعمال.