تسبب الركود الاقتصادي شبه الفوري الذي أحدثه كوفيد-19 في حدوث حالة من الفوضى في الشركات الكبيرة والصغيرة. ويُقال إن أسلوب حياتنا وطريقة معيشتنا كما عرفناها قد تغير. وبناءً على ذلك فإنه من المتوقع أن تتغير تمامًا عمليات التنقل، وتجارة التجزئة، بالإضافة إلى انهيار عصر العولمة.
يفترض العديد من المديرين التنفيذيين أن كل شيء عرفناه سيتغير مع مرور الوقت. ومن ثم فإنه من المتوقع أن تكون وصفة النجاة عبارة عن خطة تحول شاملة للشركة بأكملها، إذا لم تفعل الشركات ذلك فإنها ستعاني من الإفلاس.
إن حقيقة كيفية تعامل الشركات مع الأزمة واستعدادها للتعافي من الأزمات يختلفان تمامًا عن بعضهما البعض، أحدهما يتعلق بالتمحور بوضع نماذج الأعمال التي تؤدي إلى البقاء على المدى القصير مع الحفاظ على المرونة والنمو على المدى الطويل. خير مثال على ذلك سبوتيفاي، خدمة تقديم الموسيقى العالمية. من حيث المبدأ، لدى هذا النوع من المنصات كافة المقومات التي تساعدها على النجاح خلال فترة الإغلاق. العملاء مُحتجزون في منازلهم، وقد يرغبون في الهروب من الواقع المُحبط من خلال الاستماع إلى الأغاني التي يتم بثها بسهولة في جهاز التشغيل.
البحث عن حلول
مع ذلك، عانت الشركة السويدية للعثور على وسيلة تمكنها من التغلب على مشكلة أساسية، على عكس آبل ميوزك، تعتمد سبوتيفاي على المُستخدمين المجانيين المُجبرين على الاستماع إلى الإعلانات. قبل الوباء، اعتقدت الشركة أن عائدات الإعلانات ستنمو بشكل أسرع من قاعدة المُستخدمين المجانية، ومن ثم تساعدها على تحقيق الأرباح والمُضي قدمًا.
وبرغم النجاح الذي حققته هذه الطريقة، فإن وباء كوفيد-19 أظهر حجم ضعفه، وطفت نقاط ضعف الخدمة على السطح، لا سيّما بعدما خفض المعلنون ميزانياتهم.
ومن بين الطرق التي حاولت سبوتيفاي الاعتماد عليها للتعامل مع هذه الأزمة، هي تقديم محتوى أصلي في شكل ملفات بودكاست. خلال شهر واحد فقط قام عدد كبير من الفنانين والمُستخدمين بتحميل أكثر من150 ألف بودكاست على المنصة، ووقعت سبوتيفاي صفقات حصرية مع المشاهير وأعدت قوائم تشغيل.
التغيير والشركات التقليدية
ربما تساعد استراتيجيات التحول المنصات الرقمية، وتساعدها على التغلب على الخسائر المترتبة على الوباء، لكن هل يساعد الشركات التقليدية؟ دعونا نُلقي نظرة على المطاعم العالمية. عانت المطاعم العالمية خلال فترة الإغلاق، وظّن مُلاكها أن الإغلاق سيستمر إلى الأبد. تتضمن الطريقة المعتادة في التفكير في المطاعم تخيل وضع مقاعد في المنطقة القريبة من المطبخ، لكن كوفيد-19 غيّر كل شيء، وباتت المطاعم تعتمد على خدمات التوصيل إلى المنازل فقط
في هذه الفترة حاولت المطاعم العثور على استراتيجيات تساعدها على التغلب على الأزمة الاقتصادية، وهنا فكرت في وضع أسعار ثابتة لعدد مُحدد
من الوجبات في الأسبوع أو الشهر، ووضع قوائم بها عدد محدود من الأطعمة، على أن تزداد هذه الخيارات في حالة زيادة الطلب على الوجبات والأطعمة.
فيما فكرت بعض إدارات المطاعم الأخرى في تقديم مجموعة من الوجبات المطبوخة سابقًا، تلك التي يُمكن تحضيرها في المنزل باستخدام مكونات يوفرها في المطعم، وإرسالها إلى العملاء مع مقاطع فيديو إرشادية تساعدهم على إعدادها في المنزل، ومن ثم تصبح تجربة الطهي ممتعة وتعليمية ومختلفة.
انهيار سلاسل التوريد
كذلك تسببت أزمة كوفيد-19 في انهيار سلاسل التوريد. رأينا جميعًا صورا لأرفف المتاجر والسوبر ماركت فارغة، وتضررت عملية البيع والشراء، وتراجعت الأرباح خلال فترة الإغلاق، واقتصرت خدمات المزارع الصغيرة على احتياجات المستهلكين في المنازل.
تحتاج الأعمال التجارية التقليدية إلى تغيير يعتمد على القيام باستثمارات تكنولوجية تساعد على إدرار الأرباح على المدى الطويل من خلال الاتجاه نحو سلاسل التوريد الأقصر. فيما اعتمد بعض أصحاب المزارع والمتاجر المحلية على شوبيفاي، منصة التجارة الإلكترونية الكندية، التي شهدت ازدهارًا في نشاط التجارة الإلكترونية على مسافة أقل من 15 ميلا بين البائعين والمشترين، وهي شريحة من السوق عبر الإنترنت أهملتها شركة أمازون، عملاق التجارة الإلكترونية العالمية.
اعتمدت منصة شوبيفاي على تقديم مجموعة شاملة من الخدمات بالاستناد إلى السحابات الإلكترونية والتي ساعدت البائعين على إدارة النفقات، ودفع الفواتير، وتوقع بعض المشاكل، وتحسين عمليات التسليم.
سياسات تغيير دائمة
كذلك رأينا شركات كبرى أخرى تتبع سياسة التغيير المحوري خلال الأزمة، مع ارتفاع الطلب على المنتجات الأساسية، ركزت شركات يونيليفر للسلع الاستهلاكية على إعطاء الأولوية للأغذية المُعبأة ومنظفات الأسطح والعلامات التجارية لمنتجات النظافة الشخصية مقارنة بالمنتجات الأخرى كما منتجات العناية بالبشرة التي انخفض الطلب عليها.
لم تعلم الشركة أن التغييرات قد تصبح دائمة، إذا استمرت الزيادة خلال العمل عن بعد قد تجد شركة يونيليفر أن سياستها التي قامت بتغييرات محورية قد تستمر، وأنها ربما تشمل بعض المنتجات الأخرى التي قلّ الطلب عليها خلال فترة الإغلاق. إلا أن التهديد الأكبر الذي ربما تواجهه بعض العلامات التجارية الكبرى هو أن المستهلكين قد يرغبون في تجربة بضائع وعروض مختلفة خلال الأزمة.
شروط نجاح التغيير المحوري
مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن نجاح التغيير المحوري يتطلب مجموعة من الأمور، أولاً يجب أن يتماشى مع سياسة الشركة لاسيما تلك المتعلقة بالأهداف طويلة المدى، والتأثير الذي أحدثه كوفيد-19، مع وضع بعض الأمور الأساسية في عين الاعتبار من بينها زيادة الاتجاه نحو العمل عن بعد، وجعل سلاسل التوريد أقصر، والحفاظ على المسافات الاجتماعية، وتعزيز استخدام التكنولوجيا. على سبيل المثال إذا استمر الحفاظ على التباعد الاجتماعي خلال المستقبل القريب، فقد يحتاج تطبيق تيندر للمواعدة إلى فعل ما فعله منافسوها فيسبوك وBumble والسماح بالمواعدة عبر الفيديو. علاوة على ذلك، يجب أن يكون التغيير المحوري متسقًا مع استراتيجيات الشركة وقدراتها الحالية، وأن يعزز قدراتها على النجاح وتحقيق الأهداف المرجوة.