.
على رصيف المحطة والطفل لا يكفّ عن البكاء، بين عصا أمه وجزَرها يتوقف ثوانيَ لالتقاط أنفاسه معاوداً الكرّة أقوى مما قبل. رجل وامرأة عجوزان يشاركان في صرفه عن البكاء بتلك الأقوال التي تتكرّر في مثل هذه المناسبات. في عين اللحظة يقترب شاب إفريقيّ ، يلتقطه العجوز ليقدمه للطفل الباكي هدية ذعر. يخطئ السيّد الإفريقي الشابّ إذ يفكر أن دوره إلهاء الطفل فيتقدم بابتسامة بلهاء ويمد يداً تشبه جلداً مترهلاً، زائدة الحنان. “أنظر إليه سوف يقتلك!” يقول العجوز للصغير. تتسع ابتسامة السيد الإفريقيّ، الذي لا يعي لغة البلاد، فتبدأ الأسنان البيضاء الخالية من بقايا الطعام في الاقتراب من الخدّ الطفليّ الذي كان يهدأ ويهدأ على وقع أقدام القاتل.
II
قدمه التي داست صحارى شاسعة وانغرست فيها أشواك صاحية وقرصتها حشرات غريبة، قدمه التي تشققت بفعل فاعل ما إنْ يصل إلى المركب حتى يغمسها في الماء فتترعرع ويصبح الشقّ اثنين سيسويهما بيديه ويبذرهما بأشجار فارعة طالما سمع عنها من قاطني الشمال القادمين في العطلات ويظلّ طوال الرحلة يسقيها ويرعاها واضعاً القدم أمام وجهه، واضعاً غابته التي يتيه فيها وحيداً حتى يصل إلى الشاطئ، ساعتها سيضطرّ إلى قطع الأشجار وتسوية الأرض من أجل بذور جديدة تنتظره في بلاده.
III
أنا لست ملوَّناً. أنا أسود. لماذا تطلقون علينا هذه الكلمات؟ قال الرجل الذي سمعه صديقي يهذي في إحدى الليالي على الضفة الأخرى من بحر الظلمات. حضراتكم أيها السادة ملوّنون. يولد الواحد فيكم بلون ورديّ ثم يبيضّ تدريجياً فإذا ما كبر وخجل احمرّ وجهه وكذلك إذا احتدّ أو شرب الخمر والصفار شائع عند المرض حتى إذا ما اختنق يكون بنفسجياً وعندما ينتهي كل شيء ستجد الزرقة مكانها على جلده. أما أنا فأنا أسود دائما أسود. عن أية ألوان يتحدّث هؤلاء الملوَّنون؟
منقوول