أصبح جهاز PCR منهجًا دراسيًا ثابتًا ومهمًا في الكليات العملية، فقد اتسع نطاق استخدام هذه التقنية في الكثير من جوانب الحياة. لقد أحدث هذا الابتكار ثورة علمية هائلة، ويرجع الفضل في ابتكاره إلى العالم الكيميائي الأمريكي كاري موليس.
نشأته
ولد كاري موليس في 28 ديسمبر عام 1944. في كارولاينا الشمالية بالولايات المتحدة الأمريكية. لأب يعمل كبائعٍ للأثاث، وترتيبه الثاني بين إخوته الأربعة. انتقلت عائلته إلى كولومبيا وهو في سن الخامسة. كان كاري ولدًا نبيهًا، تستهويه العلوم منذ أن كان طفلًا. عندما كان في عمر 13 عامًا، قام بتصميم وتصنيع صواريخ من وقود كيميائي مصنوع محليًا واستوحى فكرته من القمر الصناعي السوفيتي (سبوتنيك). وكانت تلك البداية العلمية البسيطة، هي التي خلقت العبقري الذي قدم للبشرية الـ PCR لاحقًا.
مشواره وحياته
حصل على درجة بكالوريوس العلوم في الكيمياء من معهد جورجيا للتكنولوجيا عام 1966، وتابع موليس الدراسات العليا حتى حصل على درجة الدكتوراة من جامعة كاليفورنيا عام 1972. ابتعد موليس عن العلم لفترة، وحاول الخوض في مجال الأدب وبدأ في كتابة الروايات الخيالية، ثم إدارة مخبز لمدة عامين. بعد ذلك، قرر العودة إلى الساحة العلمية وتوجه إلى كانساس وحصل على زمالة بحثية بعد الدكتوراة في أمراض القلب للأطفال من المركز الطبي بجامعة كانساس، حتى عام 1977.
في عام 1977، عمل موليس على أبحاث ما بعد الدكتوراة في الكيمياء الصيدلية لمدة سنتين بجامعة كاليفورنيا. وفي عام 1979 عمل لدى شركة Cetus في مدينة إميريفيل بولاية كاليفورنيا. وخلال سنواته السبع هناك، أجرى بحثًا عن تخليق Oligonucleotides وتصميم تفاعل البوليميراز المتسلسل. وبدأ في تطوير جهاز PCR في عام 1983، الذي يضاعف الحمض النووي مليارات المرات في غضون ساعات.
بين عامي 1986 و1988، عمل موليس كمسؤول علم الأحياء الجزيئية في شركة Xytronyx, Inc في مدينة سان دييغو بكاليفورنيا. بعد ذلك عمل كمستشارٍ مستقل. وحصل على جوائز عدة أهمها كان في عام 1993 حينما حصل على جائزة نوبل لاختراعه جهاز PCR.
كانت له بعض التصريحات المثيرة للجدل، وبعضها تسبب في غضب الكثير منه مثل تصريحه لمجلة The Time عام 1998:
يُلحق العلماء ضررًا هائلًا بالعالم تحت مسمى المساعدة! أنا لا أمانع مهاجمتهم، لأنني أشعر بالخجل من ذلك.
تزوج أربعة مرات، وانتهى ثلاثة منهم بالطلاق، وفي عام 1997 تزوج موليس من نانسي كوسجروف. كانت له ابنة تُدعى لويز أولسن. وابنان أيضًا، وهما: كريستوفر وجيريمي وعاش معهم حتى وفاته.
قصة اختراع جهاز PCR
بينما كان يعمل موليس مديرًا لمختبر في شركة Cetus، استطاع تخليق خيوط قصيرة من جزيئات الحمض النووي تسمى Oligonucleotide، واستطاع إنتاج أعداد كبيرة منها. حتى أنه صار قلقًا من فصل بعض العاملين في مختبره بسبب إنتاجيتهم الزائدة، وأخذ يفكر ويبحث في كيفية استخدام المزيد من هذه الجزيئات.
واجه دكتور موليس تحديات كثيرة، ولكنه تذكر أنَّ هناك العديد من العلماء قبله قد واجهوا مشاكل عدة في فك تشفير الحمض النووي وتحديد المشاكل به. كان موليس يعلم أنَّ هناك مليارات الأزواج من قواعد الحمض النووي، لكنها صعبة التحليل، فلم يكن هناك أي طريقة سهلة تساعد في التركيز على مجموعات صغيرة من هذه الأزواج. تلك الصعوبة هي ما دفعته لابتكار الـ PCR في وقتٍ لاحق.
توصل دكتور موليس إلى أنَّ عددًا قليلًا فقط من تلك الجزئيات يرتبط بسهولة مع الحمض النووي، وكانت المشكلة كيفية عزل الحمض النووي الذي يرغب الباحثون في تحليله. بينما كان موليس يفكر في طريقة تساعده على التحكم في عدد قليل من الجزئيات، أدرك أنّ السيطرة عليها ليس مهمًا، وسيساعد الترابط في مضاعفة كمية الحمض النووي المطلوبة. وعند تكرار هذه العملية عدة مرات، سيتم زيادة عينة الحمض النووي. يمكننا القول أنه سيكون بمثابة تحويل حجم ميكروب لا يُرى بالعين المجردة إلى حجم ديناصور ضخم.
واستخدم موليس بادئ مُكمل لتسلسل محدد من الحمض النووي، ثم استخدم جهاز PCR إنزيم مثبت للحرارة يسمى: DNA Polymerase. وهو يعمل من خلال حلقات من التسخين والتبريد لنسخ التسلسلات المطلوبة من الحمض النووي، مما يساعد على إنتاج ملايين النسخ.
بدأ موليس في تنفيذ فكرته عمليًا وكانت النتيجة هي جهاز تفاعل البوليميراز المتسلسل – PCR، الذي يسمح بتكرار كمية غير محدودة لأجزاء صغيرة من الحمض النووي. لقد كانت رواية Jurassic Park مصدر إلهام له، وهي رواية تدور أحداثها حول مدينة ملاهي للديناصورات المستنسخة.
نجح موليس في إثبات فكرته، بالرغم من أنه لم يكتب ورقة للتحقق من صحة فكرته، بل اعتمد على التفكير والتجريب. وبعد شهرة فكرته، نشر ورقة في عام 1985 عن الجهاز مع اثنين من العلماء، ووضعت أسمائهم بجانب اسمه في الورقة المنشورة. إلا أنّ أحدًا لم يشك في أنَّ كاري موليس هو صاحب الفكرة.
منحت شركة الشركة دكتور كاري 10000 دولار لاختراعه جهاز تفاعل البوليميراز المتسلسل، بعد ذلك باعت الحقوق العلمية لشركة F. Hoffmann-La Roche، وهي من أكبر شركات الأدوية بمبلغ 300 مليون دولار. اعتقد موليس أنّ هذه مكافأة غير عادلة، وشعر بالمرارة بقية حياته على هذه الخسارة الفادحة.
يساعد جهاز PCR في نسخ خيط من الحمض النووي ملايين المرات، مما يمكن العلماء في نهاية الأمر من تحديد جزء ما من الخيط ومضاعفته لسهولة تحليله. قبل اختراع جهاز تفاعل البوليميراز المتسلسل، كانت تستغرق عملية مضاعفة الحمض النووي أسابيع. بعد ابتكار كاري موليس لجهاز PCR، أصبح الأمر لا يستغرق إلا ساعات قليلة.
استُخدم جهاز PCR على نطاقٍ واسعٍ، منها الكشف عن الطفرات الجينية، مما يفتح الطريق لتشخيص؛ الأمراض مثل مرض الأنيميا المنجلية. ساعد أيضًا في الأدلة الجنائية أثناء حل الجرائم. علاوة على ذلك، فقد استُخدمت في مشروع الجينوم البشري الذي استمر من عام 1990 إلى 2003، حيث ساعد في فك تشفير الحمض النووي البشري. وأصبح اليوم تقنية لا غنى عنها في علم الأحياء والطب.
حصوله على جائزة نوبل
شارك دكتور كاري موليس جائزة نوبل في الكيمياء عام 1993 مع عالم آخر وهو دكتور مايكل سميث، والذي استطاع تطوير فكرة إدخال طفرات محددة في الحمض النووي.
وفاته
توفي في 7 أغسطس 2019 في نيوبورت بيتش بولاية كاليفورنيا عن عمر يناهز 74 عامًا. وبحسب تصريح من زوجته أنه كان يعاني من قصور في القلب والجهاز التنفسي بسبب الالتهاب الرئوي.
آلاء عمارة - أراجيك