TODAY - October 12, 2010
واشنطن «فوجئت» بتحالف المالكي مع الصدريين وتطالبه بضمانات كي لا يمنحهم مناصب أمنية
تمارس الضغوط لإشراك جميع الكتل الفائزة في الحكومة «لتهميش» التيار الصدري
واشنطن: توم شانكر وستيف لي مايرز*
أمام مشهد سياسي يتغير داخل العراق بعد أشهر من التأزم، كثفت إدارة أوباما الضغوط على القيادات السياسية داخل الدولة من أجل تشكيل حكومة ائتلافية موسعة تهمش حزبا معاديا لأميركا مخافة أن يحصل على نفوذ أكثر من أي وقت مضى.
وقد سعت الإدارة الأميركية إلى الحصول على تطمينات بأن رئيس الوزراء نوري المالكي لن يقدم لأتباع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر مناصب تمنحهم مسؤولية عن القوات الأمنية في مقابل دعم المالكي من أجل الحصول على ولاية ثانية في المنصب، وحصلت على هذه التطمينات بالفعل، بحسب ما يقوله مسؤولون ذوو اطلاع على المفاوضات الجارية حاليا.
وقد حارب أتباع الصدر على مدى أعوام القوات العراقية والأميركية داخل بغداد وفي أماكن أخرى، وعلى الرغم من دخولهم في العملية السياسية، فإنهم لا يزال يعادون أي دور أميركي مستمر داخل العراق.
وقد دق دعم الصدريين المفاجئ للمالكي، بعد أسابيع فقط من معارضة ترشيحه، ناقوس الخطر داخل واشنطن وعجّل من الجهود الرامية إلى إقناع المالكي بضم فصائل رئيسية أخرى في حكومة جديدة. وقال السفير جيمس جيفري في تصريحات للصحافيين الأسبوع الماضي: «المشكلة التي نراها مع آخرين هنا - وأريد أن أؤكد على أن آخرين يرونها هنا - هو أنه لا يوجد وضوح بشأن ما إذا كانت الحركة الصدرية حركة سياسية أم ميليشيا مسلحة تحقق أهدافا سياسية من خلال وسائل عنف. ولا يمكن أن تتحمل دولة ديمقراطية هذا الوضع».
وقد سئم مسؤولون أميركيون بشكل متزايد من المأزق السياسي داخل العراق، الذي أعاق انتخاب رئيس وزراء جديد وتشكيل حكومة جديدة بعد مرور أكثر من 7 أشهر على الانتخابات البرلمانية التي انعقدت في مارس (آذار) الماضي.
وقد أثر هذا الإرجاء بدرجة كبيرة على الاستراتيجية الأميركية داخل العراق، ومن بينها صفقات تجارية والحديث عن الوجود العسكري الأميركي بعد الموعد النهائي المحدد لسحب القوات الأميركية الباقية البالغ قوامها 50.000 جندي بنهاية 2011. ويعارض الصدريون بشدة أي علاقة عسكرية أميركية طويلة الأجل مع العراق.
كما أعربوا عن تذمرهم من الضغوط الأميركية الجديدة من أجل تشكيل ائتلاف أوسع يقوض من دورهم. وقال أمير الكناني، وهو عضو صدري داخل البرلمان الجديد، في مكالمة تليفونية الأحد: «دائما ما تفضل حكومة الولايات المتحدة تكتلات على الأخرى منذ أن بدأنا المقاومة ضد الاحتلال».
وقد عملت الإدارة بقوة - عبر مكالمات تليفونية من واشنطن وزيارات شخصية داخل بغداد - من أجل إنهاء الوضع المتأزم على الرغم من أن التركيز هنا تحول إلى الحرب داخل أفغانستان، لا سيما داخل الكونغرس. وتحارب الإدارة حاليا تصورات ترى ثمة انحراف في السياسة الأميركية داخل العراق.
وداخل واشنطن، يعارض مسؤولون في الإدارة أيضا جهودا من جانب الكونغرس لتقليل 1.5 مليار دولار من ميزانية وزارة الخارجية للعمليات داخل العراق. وقال وزير الدفاع روبرت غيتس مؤخرا أمام حشد من طلبة كلية تدريب الضباط الاحتياط داخل جامعة ديوك: «أخشى بعد استثمار مئات المليارات من الدولارات وخسارة آلاف الأرواح داخل العراق - وفي الوقت الذي نقف فيه في نهاية اللعبة – أن نضع قيودا على الموارد التي نحتاج إليها من أجل إنهاء الوضع بالصورة التي نريدها جميعا».
وقال مسؤولون في الإدارة إن خصومات الميزانية أجبرت بالفعل وزارة الخارجية على أن تقلص برنامجها لتدريب ضباط الشرطة العراقيين وحدت من وجودها الدبلوماسي خارج بغداد.
وداخل بغداد وواشنطن، فوجئ مسؤولون أميركيون عندما انضم الصدريون إلى تحالف المالكي في 1 أكتوبر (تشرين الأول) لترشيحه لمنصب رئيس الوزراء. ومكّن ذلك المالكي من الحصول على أغلبية المقاعد داخل البرلمان المكون من 325 عضوا، وأثار مخاوف من أن أغلبية تسيطر عليها الشيعة، يحتمل أن تقويها إيران، سوف تعزل السنة داخل العراق.
وفي الواقع، فإن الضغط الأميركي من أجل ائتلاف أوسع كان ينظر إليه أيضا على أنه محاولة لاختبار النفوذ الإيراني، التي ضغطت صراحة من أجل حكومة يسيطر عليها الشيعة. وفي انعكاس لأحدث تحليل داخل الإدارة للتطورات السياسية في الميدان داخل العراق، يقول مسؤولون بارزون إنهم يعتقدون أن العراقيين شكلوا ما يصفه أحدهم بـ«إحساس صحي بالسيادة» من أجل موازنة جيرانهم الأقوياء، كما أنهم يترددون بصورة متزايدة في قبول تدخل من الخارج، بما في ذلك إيران. وقد صوت معظم السنة لصالح ائتلاف العراقية، الذي يتزعمه إياد علاوي، وهو شيعي علماني شغل منصب رئيس الوزراء بصورة مؤقتة عام 2004. وقد تفوق تكتل علاوي على تكتل المالكي بهامش ضئيل - حيث حصل على 91 صوتا في مقابل 89 صوتا - ولكنه كان عاجزا حتى الآن عن تشكيل ائتلاف أوسع. ولا يزال علاوي يؤكد على أن له الحق في تشكيل ائتلاف حاكم، يكون على رأسه.
ولم تدعم الإدارة الأميركية علانية مرشحا بعينه لمنصب رئيس الوزراء، ولكن ضغط مسؤولون في مقدمتهم نائب الرئيس جوزيف بايدن على العراقيين كي يدرسوا اتفاق مشاركة في السلطة يبقي المالكي في المنصب ولكن في ائتلاف يحد من سلطاته.
ولكن المالكي قال إنه لا يدعم تغيير السلطات الدستورية بهدف تقليل سلطات رئيس الوزراء. ولكن بعد ضمان ترشيحه من معظم المشرعين الشيعة حاليا، أبدى رغبة أكبر في ضم «العراقية» إلى حكومة جديدة، بحسب ما قاله مسؤولون أميركيون وعراقيون.
وتوجد احتمالية لأن يشغل علاوي منصب الرئيس، وهو منصب مهم ولكن أقل نفوذا. ويتولى هذا المنصب حاليا جلال طالباني، وهو كردي أبدى نية واضحة للبقاء في منصبه.
وقد رحب مسؤولون بارزون في الإدارة داخل واشنطن وبغداد بالتحرك الذي حدث بعد أشهر من التأزم. وبدأ المالكي وآخرون الضغط من أجل الحصول على دعم من جانب الأكراد، الذين لديهم سلسلة من المطالب بشأن أراض متنازع عليها والسيطرة على النفط داخل المنطقة الكردية المتمتعة بحكم شبه ذاتي شمال العراق.
وخلال الأيام الأخيرة، أرسل علاوي وأنصاره إشارات مختلطة؛ ففي البداية كان هناك نفي لأي مفاوضات مع المالكي، وبعد ذلك كانت هناك إشارة إلى أنهم منفتحون لعودته رئيسا للوزراء. ومن جانبه، قال المالكي أمام تجمع لقيادات قبائل يوم السبت: «أولا وقبل كل شيء، نريد تشكيل حكومة تعتمد على المصالح الوطنية، مع تحقيق مبدأ الشراكة من دون استثناء أحد».
وقد عبر مسؤولون بارزون في إدارة أوباما عن ثقة مشوبة بالحذر في أن قيادات العراق المنقسمين بشدة يفهمون الحكمة من تفضيل حكومة واسعة توزع السلطات بين الشيعة والسنة والأكراد حتى لو كانت أقل كفاءة على حكومة يقودها تكتل من الشيعة فقط أصغر ومتحد بدرجة أكبر.
ويقول أنطوني بلينكن، وهو مستشار بايدن لشؤون الأمن القومي: «إذا كانت هناك أغلبية من كل فئة ممثلة داخل الحكومة، فإن ذلك يضعف احتمالية عودة العراق إلى أعوام العنف الطائفية أو الانزلاق إلى توتر عرقي أو أعمال عنف عرقية»، وأضاف: «هذا مبدأ يعترف به العراقيون أنفسهم، وهو ما يجعلهم يسعون إلى الوصول إلى هذه النتيجة تحديدا».
ومن المنظور الأميركي، فإن الائتلاف الأوسع سوف يحد من نفوذ الصدريين، الذي حصلوا على 40 مقعدا. وقد دعا مسؤولون أميركيون الساسة العراقيين إلى التأكد من أن عدد التكتل الصدري داخل الأغلبية الشاملة سيكون أصغر من الإطاحة بالحكومة من خلال التهديد بالانسحاب من الائتلاف.
وخلال مؤتمر صحافي يوم الثلاثاء، أشار جيفري إلى أنه داخل ائتلاف حاكم يضم أكثر من 200 عضو في البرلمان، على سبيل المثال، سيمثل الصدريون «أقل من الخمس».
ولا يوجد نقاش ملموس حتى الآن، على الرغم من تخمينات كثيرة، بشأن الطريقة التي سيعين بها المالكي وزراء ومسؤولين آخرين داخل الحكومة، إذا ما فاز بالترشيح لمنصب رئيس الوزراء بصورة رسمية. ويعد ذلك جزءا من مساومات سياسية ستحدث في ما بعد. ولا يزال العراق ديمقراطية ضعيفة، وتتنافس الأحزاب من أجل إدارة الوزارات الحكومية المتنوعة كقواعد للنفوذ والمحسوبية. ويقال إن الصدريين طلبوا من المالكي الحصول إما على وزارة الدفاع أو وزارة الداخلية، التي تشرف على الشرطة. ويقول جيفري: «سمعنا إشاعات مثل هذه، ولكن سمعنا مع آخرين تطمينات كثيرة، رسمية وغير رسمية، من أن هذا لن يحدث».
وقد أثارت الصفقات المستترة داخل بغداد تعقيدات لا تجعل الأميركيين وكثير من العراقيين يشعرون بالراحة. وقد كانت هناك زيادة حادة الشهر الماضي في هجمات صاروخية على المنطقة الخضراء، قلب العاصمة المحصن بشدة، ويحمل كثير من المسؤولين العسكريين البارزين ميليشيات شيعية المسؤولية عن هذه الهجمات، ومن بينهم ميليشيا لا تزال مرتبطة بأتباع الصدر.
وقال مسؤول أميركي إنه في الوقت الحالي تبدو حكومة المالكي غير راغبة في اتخاذ إجراءات صارمة ضد مسلحين يطلقون الصواريخ لأنه يحتاج إلى دعم رعاتهم السياسيين.
وقد دفعت الزيادة في الهجمات - 50 منها خلال سبتمبر (أيلول)، بحسب إحصاءات عراقية - جيفري والقائد العسكري الأميركي داخل العراق الجنرال لويد أوستن إلى مواجهة المالكي الشهر الماضي والضغط عليه من أجل اتخاذ إجراءات صارمة بحسب ما أفاد به مسؤول أميركي بارز ذو اطلاع على النقاش.
وبعد هذا الاجتماع، ومنذ إعلان تحالف مع الصدريين في 1 أكتوبر الحالي، تراجعت الهجمات بصورة ملحوظة.
*خدمة «نيويورك تايمز»
الشرق الاوسط