فيلم رعب من بطولة الممثلة الإنجليزية فلورنس بيو في دور داني آردور، وجاك رينور في دور كريستيان، بالإضافة إلى ويليام جاكسون هاربر، وويل بولتر، ومن إخراج وتأليف آري أستر.
عُرض رسميًا في أول يوليو من عام 2019 بإنتاج أمريكي سويدي مشترك، وأجريت عملية تصويره بين بودابيست ببلغاريا، والولايات المتحدة الأمريكية.
يعد فيلم Midsommar هو التجربة الثانية للمخرج الأمريكي آري أستر، بعد فيلمه الأول Hereditary في عالم الأفلام الطويلة، والصادر عام 2018، والمنتمي إلى فئة الرعب أيضًا.
قصة فيلم Midsommar
يحكي الفيلم قصة مجموعة من الأصدقاء الأمريكيين، الذين يسافرون إلى السويد، بعد دعوة من صديقهم السويدي، لحضور أحد المهرجانات التي تقام في قريته الصغيرة كل 90 عامًا.
البطلة داني آردور، تذهب إلى الرحلة، رفقة صديقها كريستيان، بعد أن وجدتها فرصة مناسبة من أجل كسر الصدمة التي لحقت بها، بعد مقتل أبويها على يد أختها التي انتحرت بعدها.
لكن يبدو أن الأمر في هذه الرحلة لم يسر على ما يرام منذ أن بدأت تشعر بأمور غريبة حال وصولها إلى هناك.
تبدأ المجموعة الوافدة في استكشاف عادات وتقاليد أهل القرية، مع بدء طقوس الاحتفال، في ظل أجواء هادئة، ومشاهد آية في الجمال، لا توحي أبدًا، بما هم مقدمون عليه.
كيف يمكن أن يكون مكان نسخة من الجنة والجحيم في الوقت ذاته؟ هذا هو السؤال الذي يجيب عنه الفيلم، تلك الإجابة التي تصدمنا، عندما تتحول الرحلة الممتعة، إلى كابوس مقيت، ويُكتشف أن رحلتهم هذه لم تكن سوى مكيدة مدبرة.
اليقين المُطلق شرٌ مُطلق
مع استمرار المظاهر الاحتفالية ضمن المهرجان، يقام طقس غريب، ينتهي بانتحار اثنين من عجائز القرية، سقوطًا من تل صخري مرتفع، لكن الشيء الأكثر صدمة، هو أن هذا الانتحار كان جزءًا من الاحتفالية.
يحاول بعض أفراد المجموعة إبداء اعتراضهم على ما يجري، فيتلقون الرد بأن هذه عادات القرية، وأن هذا الانتحار الطوعي، يمثل نهاية دورة حياة الإنسان، منعًا لمعاناته تزامنًا مع كبر سنه.
يعالج الفيلم مسألة الاختلافات الثقافية بين المجتمعات، وإلى أي مدى يمكن للبشر أن يحترموا عادات الآخرين وتقاليدهم، ومتى يتوجب عليهم أن يعارضوها ويمنعوها ؟
ففي نقاش يدور بين كريستيان هيوز وصديقته داني آردور، التي سألته إن كان قد شعر بالانزعاج من العنف الذي شاهدوه، أجاب، بأن ما حدث هو مجرد “ثقافة”، قائلًا إن فكرة أخذ كبار السن التي تبدو معقولة بالنسبة لنا، قد يجدها أهل هذه القرية مزعجة!
هذا الحديث عن النسبية الأخلاقية لدى كريستيان هيوز، ربما كان دافعًا كي يختار أن يجري أطروحته في الأنثروبولوجيا على عادات القرية مع صديق آخر، لكن قبل هذا كان عليه أن يتقبل ما يجري، أن يتعامل معه وفقًا لقواعد الاحترام، هذا التقبل سيكلفه حياته فيما بعد.
إن فكرة تحول الثقافة، وفقًا لهذا الشكل العنيف الذي يطرحه الفيلم، إلى دين، بمعنى أن كل ممارسة تتخذ غطاءً مقدسًا، تجعل من المتوقع انتظار ظهور ضروري للشر.
إنها معادلة بسيطة تقول إنك لا تحتاج سوى أن تغلف أي فعل بشري، بيقين مطلق، حتى تجد في هذا الفعل قدرة كامنة على إنتاج الشر المطلق، مهما بدا هذا الفعل هامشيًا.
عندما يكون الجنونُ مقدسًا
يتناول الفيلم، من هذا المنظور، ما يمكن أن تُحدثه العقيدة من كوارث، حينما يتعلق الأمر بتحديد الخير من الشر، فما قد يعد بالنسبة لك أمرًا بالغ الخطورة والقسوة، يمكنه أن يشكل بالنسبة لمعتقد أناس آخرين شيئًا في غاية الجمال!
ليس هذا فحسب، بل يشير الفيلم أيضًا إلى أن البشر عندما يجتمعون على تقديس عقيدة ما، بشكل أعمى، يمكن أن يدفع كل هؤلاء إلى الجنون، وبهذا يصير الجنون نفسه مقدسًا، كما نشاهد في الفيلم.
فجماعة ذات طابع هيبي، تعيش في هدوء الطبيعة، لا تمانع أبدًا ارتكاب أفظع الجرائم، لأن جنونها المقدس فقط يدفعها إلى هذا، ولأن “الجميع” لا يجدون أي حاجة إلى التشكيك في الأمر.
إن هذا الجنون المقدس بالذات لدى أهل القرية، هو ما يجعلهم يختارون فردًا يعاني من مشكلات ذهنية وخلقية كي يكتب كتابهم المقدس، بالطبع هي رسومات لا معنى لها، لكنهم -وفقًا لما يتيحه لهم جنونهم- سيؤولونه تمام التأويل.
وهو الجنون ذاته، الذي جعلهم يقدمون الضيوف الغرباء -بعد قتلهم وتزيين جثامينهم بالورود الجميلة- كقرابين لآلهتم، من أجل ماذا؟ تطهيرهم من المشاعر الآثمة.
الوجهُ الآخر للجمال
يكرّس الفيلم طيلة الوقت عبر كادرات رائعة، لفكرة الجمال المطلق الذي يمكن للمرء أن يجده في كل لقطة من لقطات الفيلم؛ زهور بمختلف أشكالها، جميلة ومبهجة للغاية، ألوانٌ بديعة في كل مكان، وجوه نضرة، ورؤوس أوروبية شقراء.
كل هذه الأشياء تبعث على الطمأنينة، ولا تدع مجالًا للشك بشأن وجود أي قدر من الضغينة في هذه الأجواء البديعة.
لكن الفيلم يهشم، شيئًا فشيئًا أسطورة الجمال المطلق هذه، وكأنه يقول إنه لا ينبغي أن يكون هناك ربط بالضرورة، بين ما هو جميل وما هو خير. فجمال هذه القرية البديع، يُخفي خلفه، جانبًا كبيرًا من الوحشية.
يعلمنا الفيلم، أن الكوابيس المرعبة يمكنها أن تحدث أيضًا في مكان يشبه الجنة، ولا يشترط أن يقيم الشر في مكان مظلم ومعتم، فاحتمالية ظهور الشر مرتبطة ببقاء البشر على قيد الحياة.
إنه فيلم ضد المطلق الصارم، وضد النسبية المتسامحة في آن واحد؛ ينتقد الرعونة البشرية التي لا تعطي مساحة لأخذ الحذر، ولا يحتفي بالعلم الخالص (المتمثل في رغبة كل من كريستيان وزميله في دراسة هؤلاء الناس أنثروبولوجيًا).
فكل هذه الأمور تسير إلى النهاية نفسها التي واجهها المجموعة الوافدة: القتل البشع على أيدي أهل القرية، كي يقدموا كقرابين لإلهة لا يعرفون عنها شيئًا.
يعطينا الفيلم أيضًا فكرة عن حسرة الإنسان أمام التناقضات التي يواجهها في حياته، وأي الأشياء أكثر جدوى من غيرها، وأن الاختيارات التي نتوهم أننا نأخذها في حياتنا، ربما تكون قد قررت لنا مسبقًا.
هذه الحسرة بعينها، تتجلى في عين البطلة داني آردور، وهي تتوج كملكة لدى أهل القرية، وترتدي فستانًا من الورود، بينما تكتشف أن مجزرة حلت بأصدقائها، ولا تعرف مصيرها حتى الآن، ينتهي الفيلم على هذه الحسرة، التي تتحول إلى ضحكة ساخرة من القدر، ربما لأن البكاء لم يعد مجديًا.
محمد عبد الجليل زهير - أراجيك