في إحدى المملكات القديمة استدعى ملكها العظيم أمهر فنان تشكيلي على الإطلاق بكل أرجاء المملكة ليتحدث معه في أمر ضروري، فقام بعرض أموال طائلة مقابل عمل إبداعي يقوم به، وهو أن يجسد الملاك في صورة من وحي إلهامه ومن ناحية أخرى يجسد صورة للشيطان ليقوم الملك بوضع الصورتين ببداية ونهاية المملكة ليكون عملا قيما ورائعا للغاية يشهد عليه التاريخ؛ وبالفعل وافق الفنان على رغبة الملك وأخذها على محمل الجد وتعب كثيرا في البحث عن وجه ملائكي يستلهم منه لرسم الصورة الأولى، وبيوم وجد طفلا صغيرا ما أجمل ملامح وجهه إذ يشع منه نور وهاج، فذهب على الفور إلى أسرته ليستأذنهم في رسم صغيرهم الجميل مقابل أن يدفع لهم أجرا وفيرا من المال، فوافقت الأسرة بسرور شديد.
الانتهاء من أول عمل:
وبالفعل خلال أيام كان قد سلم الفنان أول لوحة شهد لها كل من بالمملكة بأنها لوحة فريدة من نوعها، وأشاد الجميع بجمالها وأولهم الملك؛ وانتظر كل من بالمملكة انتهاء الفنان من عمله الثاني ولكنه بالرغم من كل مجهوداته العظيمة والفانية إلا أنه لم يجد وجها يلهمه، ومن شدة خوف الملك من عدم إنهاء الفنان لعمله وخشية أن توافيه منيته قبل أن يتمكن من ذلك قام بالإعلان عن مبلغ كبير من المال لقاء من يختاره الفنان ليصبح ملهما له وحتى يتمكن من إنهاء تلك اللوحة ولكنه لم يجد أيا منهم مناسبا للوحته، لقد كان ذلك الفنان متفانيا في عمله ومتقنا له لأبعد الحدود.
مصادفة:
وبيوم من الأيام كان الفنان يسير بالخارج ليستنشق الهواء وأملا في أن يجد شيئا ما يلهمه، وبالفعل شاءت الأقدار ووجد رجلا في غاية القبح يحمل زجاجة من الخمر ويضعها على فمه، ولا توجد لديه أسنان نهائيا كان في غاية البؤس والشقاء تنبعث رائحة كريهة من جسده، حالته ترثى لها؛ بمجرد أن رآه الفنان أيقن أن ذلك الرجل هو مصدر إلهامه الوحيد الذي سيتمكن من خلاله إنهاء عمله الذي دام لمدة أربعين عاما؛ وبالفعل عرض على الرجل مبلغا من المال لقاء أن يرسمه في لوحة “الشيطان”، وبأول يوم قدم إليه الرجل وبعدما أجلسه الفنان بطريقة معينة سالت دموع من عيني الرجل، فسأله الفنان عن سبب بكائه فأخبره بأنه ذلك الطفل الصغير الذي استلهم منه صورة للملاك الطاهر البريء وأنه بعد 40 عاما جاء ليستلهم منه صورة للشيطان الرجيم، فالرجل يبكي على حاله وما الذي فعله بنفسه.