النتائج 1 إلى 2 من 2
الموضوع:

الأدب الخمري

الزوار من محركات البحث: 57 المشاهدات : 319 الردود: 1
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    احساس شاعر
    تاريخ التسجيل: July-2014
    الدولة: بغداد الحبيبة
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 61,676 المواضيع: 17,422
    صوتيات: 2 سوالف عراقية: 3
    التقييم: 88477
    مزاجي: متقلب جدا
    المهنة: كرايب الريس
    أكلتي المفضلة: الباجه
    موبايلي: نوت ٢٠
    آخر نشاط: منذ 4 يوم
    الاتصال: إرسال رسالة عبر ICQ إلى فقار الكرخي
    مقالات المدونة: 17

    Smileys Afraid 058568 الأدب الخمري

    إنّ الأدب الخمري عامة، هو أدب وجودي، أي أنّه يبين قلق الإنسان وحيرته بين حقائق المصير والتصرف، يتأملها ويحدّق فيها، لكنه لا ينفذ منها إلى يقين دائم، فيتردى في المجون، وهو وجه من وجوه العبث الذي يتخبط فيه الإنسان، بعد أن تستحيل عليه الحقيقة
    والخمريات الصوفية استلهمت من الشعر الخمري، استلهمت صوره وأخيلته وأساليبه ، ولم تستلهم ما حفل به من مجون وإباحية . فنشوة الحب عند الصوفية يسمّونها سكرًا ، وهي تشبه في آثارها إلى حد كبير السكر الحسي .
    استخدم القرآن الكريم صورة " السكر " في التعبير عن حالة الذهول الشديد أمام أهوال يوم القيامة، فقال تعالى :  وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، ولكنّ عذاب الله شديد  [ سورة الحج، آية :2 ]. « فالسكر في هذا الموقف الرهيب حالة من الذهول والغياب عن الوعي من شدة الألم والترقب وعذاب الانتظار وأهوال يوم الحساب، وهو بخلاف ما عليه حال شارب الخمر من لذة وطرب وفرح، مع ذلك فكلّ منهما ذاهل غائب عن الوعي، لذا صحّ، بل كان لائقًا وبديعًا في التصوير أن تشبّه هذه الحال بتلك
    ومن أعجب الأمور أن يكون الأدب العربى من أغنى آداب العالم فى التحدث عن الخمر رغم تحريمها في الإسلام ،وحِلِّها فى غيره من الأديان ، فتعاقب على التغزل فيها الشعراء من امرئ القيس قبل الإسلام إلى الآن ، نظم فيه اللاهون أشعارهم عن صدق وإخلاص أمثال: طرفة وأبى نواس ، ونظم فيها الصالحون من الشعراء ممّن لم يشربوها ، ولكنهم رأوها مجالًا للفنّ ، فقالوا فيها تقليدّا ، وجاء الصوفية فرأوا أنّ العبادة والرياضة النفسية الصوفية تسلّمهم إلى الفناء فى الله والمحبة فيه .
    فلقد عبَّر الصوفية عن شوقهم ومحبتهم لله بعبارات أشبه بعبارات المتغزِّلين من شعراء الغزل والخمر، بل أن هذا التشابه يشتدُّ أحيانًا فيتوهم القارئ أو السامع أن القصيدة الصوفية هى قصيدة خمرية ، ولكن الخمرة الصوفية من الطيبات بخلاف التى هى أم الخبائث والمحرمات .
    وتنسب بدايات الرمز الخمرى فى الشعر الصوفى إلى ذى النون المصرى الذى استعمل ألفاظ الكأس والشراب مجازًا فى هذا المجال( ) ، وسلك الصوفية بعده مسلكه ، " فتكلَّموا عن كؤوس الحبِّ المترعة ، وسكرهم بهذه الكؤوس، وغيبتهم عن الوجود فى سكرهم ونعيمهم بمشاهدة الحبيب ولقائه، وانتهى بهم سكرهم إلى فنائهم فى محبوبهم فناءً لم يُشاهدوا من خلاله غير جمال الحبيب ، وهم فى بحر الفناء الزَّاخر لا يحسُّون بشئ من الموجودات ، لأن الإحساس قد فنى بالنسبة لهذه الموجودات ، واتجه بكلِّيته لمطالعة جمال المحبوب، والصوفية يقولون أنَّ الفانى لا يحسُّ بما حوله، بل لا يحسُّ بنفسه حتى لو أُحْرِقَ بالنار لما أحس لأنه فنى عمَّا سوى الله "( )
    فأشعار الصوفية لم تخلَّ من وصف الخمر فهى عندهم " رمز من رموز الوجد الصوفى "( ) وهى من الرموز العريقة عندهم منذ القدم .
    والصّوفية متفاوتون فى التوصُّل إلى تذوّق الخمرة الإلهية ، فمنهم المريد المبتدئ ، ومنهم الواصل المنقطع الذى لا يدرك الحقيقة الإلهية إلا قليلا ، وفى فترات منقطعة ، ومنهم العارفون الذين ألهمهم الله الحقيقة ، ولقد ذكر القشيرى هذا التفاوت فقال : "الذَّوق ثم الشرب ثم الرىّ ، فضاء معاملاتهم يوجب لهم ذوق المعانى ، ووفاء منازلاتهم يوجب لهم الشرب ، ودوام مواصلاتهم يقتضى لهم الرّىَّ ".َ ( )
    وترمز الخمر عند الصوفية إلى حالتى الحضور والغيبة ، فهم فى الحالة الأولى يحسّون بأنهم فى الحضرة يتنعمون بأفضال الله وكرامته ، وفى الحالة الثانية يشتدُّ بهم الوجد فيغيبون عن ذواتهم حتى الفناء يقول أبو مدين شعيب فى هذا المعنى : ( )
    حضرنا فغبنا عن دور كؤوسنا
    وعندنا كان لا حضرنا ولا غبنا

    ولقد كان ابن الفارض شاعر الحب الإلهى من أكثر الشعراء الذين ذكروا الرمز الخمرى فى شعرهم ، فنشوة الحب عند الصوفية يسمونها سكرا، ولذلك سكر ابن الفارض بخمرة الحب ، وقد تحدث عن هذه الخمرة فقال : ( )
    يقولون لى :صفها فأنت بوصفها
    خبير أجــــل عندى بأوصافها علـــم

    صفــاء ولا مـــاء، ولطــف ولا هــواء
    ونور ولا نـــــار ، وروح ولا جســـم

    ومن الشعراء الوشَّاحين الذين أجادوا فى معنى الخمر نذكر " أبا بكر محمد بن زهر" الذى نظم موشحه الذى اعتبره النَّقاد من أشهر ما قيل فى وصف الخمر ، وهذا الموشح " أيها الساقى إليك المشتكى " ومما ورد فيه قوله: ( )
    أيُّـــها الساقـــى إليــك المشتـكـــى كـــم دعـــونــاك ولـــم تسمـــع
    ونـــديم همّـــت فـــى غــــرّتــــه
    وسقــانى الـــرّاح من راحتـه
    كلّــما استيقــظ من سكــرته
    جـــــــذب الــــــــزّقّ إليـــــــــه واتكــا وسقـــانـــى أربعــــا فـــى أربـع
    تبنى أبو الوفاء الشرقاوى هذا الأسلوب من الرمز الخمرى شأنه شأن غيره من الصوفية ، واستخدام ألفاظ السكر والكأس وباقى الألفاظ المرتبطة بالخمرة والسكر ، فهو يبدأ قصيدته " أباحوا الوصل " فيقول : ( )
    أباحـــوا الوصـــلَ و اطَّـرحوا الِلثـــاما
    وســــاقى الكأس دَار بــــها مُـــــداما

    بـــروقُ جمـالـــهم لـــمعـــتْ لـــعينـى
    فـــأورثنــى تَــجــليـــها اصـــــطــلاما

    ثَمِلــتُ بـــراحـة التّقــريب لكـن
    كَسَتْنى حُــــلَّةُ الصَّحْــــوِ احتشامـا

    فالشــاعر هنا فى حالة نشــوة صوفية ثمل على مائدة حب الله ورسوله يطلب القرب والجـــوار والانتقال إلـــى عالــــم يرجــــوه ولكـــن برغم تناوله خمـــر المحبـــة إلا أنه فى حالة احتشام.
    ويصور لنا طربه وسعادته بجوار المحبوب ، وأنه شرب من كل كئوس الحب ولكنه لم يرو فيقول : ( )
    طَرِبْتُ وأنْعَشَتْنِى ساجِعَاتٌ
    تُنَادى مَن لِرِشْفِ الكَأْسِ رَامَا

    ظمئتُ وقد شربتُ بكلِّ كأسٍ
    وهل تَرْوِى السُّلاَفَةُ مُسْتَهامَا

    أبدع شاعرنا فى وصف حادثة مولد المصطفى – صلى الله عليه وسلم – فالكون من شدة فرحه اهتز ثملا مما أدى إلى تصدع شرفات إيوان كسرى فقال : ( )
    وأَصْبَحَ الْكَوْنُ فى أفْرَاحِهِ ثَمِلًا
    بِكَأْسِ تَقْرِيبِهِ أَعْظِمْ بِهِ وَصْلا

    يَهْتَزُّ سُكْرًا ولا تَعْجَبْ فَهَا هُوَ قَدْ
    أَقَامَ إِيوَانَ كِسْرَى شَاهِدًا عَدْلًا

    ونجد فى قصيدته ( اصطفوا من زلال طيبة ) يُظهر لنا أثر المدينة فى نفسه فيقول : ( )
    فذكَّتْ نارُ لوعتى وسقَتَنَى
    فى العوالى به كئوس انتشائى

    حبذا ظلُ نخلةٍ ( بالعوالى )
    هو خيرٌ مما على الغبراء

    الشاعر يظهر لنا أن نفسه طابت وارتوت من كأس خمرة الحب التى شرابها حلال وتركت كل ما يعكر صفوها فيقول : ( )
    فيك طابت نفسى وعانقت أنسى
    وترشفت فيك كأس صفائى

    ويصف المدينة وكأنها امرأة فاتنة ملكت كل مقومات الحسن والصفات الحسنة التى قلما يمتلكها إنسان فهو عاشق مولع بها سكر من رؤية عينها الزرقاء وهنا إشارة إلى سمائها الصافية فيقول ( )
    إنها طيبة الجميلة فيها
    كل حسن وشيمة علياء

    أنا فيها مسكرتى مستهام
    أسكرتنى بعينها الزرقاء

    وفى قصيدة أخرى يخاطب صاحبيه واصفا لهما ما يعانيه من البعد عن ديار المحبوب بعدما كان قريبا منها يرشف من كأس محبتها دوما يحمل فى نفسه كثيرا من الأمنيات التى تجلب له السعادة والفرح ، ويصف حاله بعدما فارقها فروحه صارت تتعطش للرحيل لها ، فطلب منهما أن يطلبوا له القرب ، وتظهر عبقريته الشعريه عندما يشبه القرب بإناء يملأ الناس منه القدح إذا أرادوا له طلبا فيقول : ( )
    يا أخلاى قفوا لى وقفةً
    صرتُ عنها نائيًا مُطرَحا( )

    بعدما كنتُ بقُربى ثَمِلًا
    أرْتَدِى ثَوْبَ الأمانى فَرِحا

    ظَمِئتْ بالبعدِ روحى فاملاؤا
    لى من حَانِ التَّدانى قدحا

    يتوسل إلى ربه ويطلب من أن يزيده من هديه فيقول : ( )
    واعظم لنا فى عقده المنظوم
    واسقنا من كأسك المختوم

    الموضع الوحيد الذى ذكر فيه المعنى الحقيقى للسكر فى قصيدته ( إذا جاء نصر الله والفتح ) فيقول : ( )
    فما لهمُ عمُىُ وليس بهم عمى
    ومالهمو سلوى وما بهمُ سُكْرُ

    يقول فى توسله بأولياء الله الصالحين السالكين دروب الهدى واالتقوى متمنيا أن يسير على دربهم ومنهجهم الناس فيقول : ( )

    هم الكأسُ للظمآن من رام شربه
    وهم ذروة الكونين فى هَودج السر

    لهم خلوةٌ بالله قد راق صرْفُها
    ودار بكأس الوصلِ كوكبُها الدُّرى

    شاعرنا فى حالة تشوق وتعطش لينهل من تلك الخمر الإلهية التى تنقله إلى عالم الحكمة والمحبة فيقول : ( )
    وأشربْ كؤوسَ الهَيَامِ فيه
    كى تجْتَلى حسنَه وتغْنِمْ

    وقل لساقى المدام صرفا
    ادر لروح المشوق وارحم


    هذه هى إذن أحد الرموز الصوفية التى بدع الصوفية فى وصفها ،حين يذكرون فى عباراتهم الخمرة بأسمائها و أوصافها ، ويريدون ما أفاض الله عليهم من المحبة والشوق له تعالى، فهى ظلَّت رمزًا للحب الإلهى وفق للحالات التى تنتاب الصوفى فى طريقه إلى الوصول عالم الفناء والمحبة.

  2. #2
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: September-2017
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 1,516 المواضيع: 36
    التقييم: 4839
    مزاجي: ماشي الحال
    آخر نشاط: منذ 5 ساعات
    جميل جدا

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال