من قديم تختلف أحوال الأدباء صبرا على النص: فمنهم من يرتب لنفسه جلسات إليه في إطار رسالته، فينشئ كل مرة قطعة منه في قطعة منها، ولا تتكشف له الأيام والليالي إلا عن استطالة النص. ومنهم من يقتصر في إنشائه له على جلسة واحدة، يكتفي فيها تعبيرا عن رسالته بما يتيسر له منه، ولا يكاد يزيد عندئذ على قطعة واحدة قصيرة. ومنهم من يفعل ذلك كله؛ فيقتصر مرة، ويكرر أخرى، ولا يتحرج من أي الحالين، ولا يلوم بلزوم أيهما غيره.
ولئن كنتُ من هذا القسم الثالث الأخير الجامع على وجه العموم بين حالي القسمين السابقين، لقد استولت عليّ أخيرا حالُ القسم الثاني، حتى تراكمَت لديّ عشراتُ القطع القصيرة، وبدا لي أنها حال أدبية عامة (تقصير النص الأدبي شعرا ونثرا)، لست فيها غير مثال من أمثلتها، ولكنني كفكفت من شطط التعميم، وذهبت أتفقد آراء الأدباء والنقاد.