أيجمع الواحد جمع تكسير أو يصغر أو ينسب على غير قياس؟ ظاهر ما نجده في تراثنا التعبير عن ذلك، ومثاله جمع باطل على أباطيل، قال كعب بن زهير:
كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَهَا مَثَلًا *** وَمَا مَوَاعِيدُهَا إِلاَّ الأبَاطِيلُ
قال الجوهري "الباطِلُ: ضدّ الحق، والجمع أَباطيلُ على غير قياس"(1). وقال سيبويه ممثلًا لما جمع على غير ما يكون جمعًا له "ومن ذلك باطلٌ وأباطيلُ؛ لأنَّ ذا ليس بناء باطلٍ ونحوه إذا كسّرته، فكأنَّه كُسِّرتْ عليه إبطيل وإبطال"(2)، وقال ابن خالويه "وفاعِل وأفاعِل وأفاعيل، باطِل وأباطِل وأباطيل، ويكون أباطيل جمع أُبْطُولة"(3)، قال الليث "وجمعُ الْبَاطِل بواطل وأباطيل جمع أبطولة"(4). إذن جمع (باطل) القياسيّ هو بَواطِل؛ ولكنّ العرب تستعمل إذا أرادت الجمع (أباطيل) الذي هو جمع إبطيل أو إبطال أو أبطولة.
ومثال التصغير تصغير أصيل على أُصَيْلان، قولُ النابغةَ:
وقَفتُ فيها أُصَيْلانًا أُسائِلُها *** عَيَّتْ جَوابًا ومَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ(5)
قال ابن جني "وَقد شَذَّ شَيْء من التحقير لَا يُقَاس عَلَيْهِ قَالُوا فِي عَشِيَّة عُشَيْشِيَة وَفِي مغرب مُغَيْرِبان وَفِي إِنْسَان أنيسيان وَفِي الْأَصِيل أُصَيْلان"(6). وقال الزجاجي "إلا أَنَّ أُصَيلانًا جَمعُ أَصِيل كأَنه قيل أَصِيلٌ وأُصُلٌ، وجُمِعَ أُصُلٌ فقيلَ أُصْلانٌ كما قِيلَ في جَمْعِ كُثُب: كُثْبانٌ؛ فأُصْلانٌ جمْعُ الجَمْعِ ثم صُغِّرَ أُصْلانٌ فقِيلَ أُصَيْلان"(7).
ومثال النسب ما ذكره ابن يعيش، قال "فمن ذلك قولهم في النسبة إلى البادِيَة: (بَدَويّ)، والقياس: (بادِيّ) أو (بادَوِيّ) على حدّ (قاضٍ)، و(قاضِيَةٍ)، و(غازٍ)، و(غازيةٍ)، كأنهم بنوا من لفظه اسمًا على (فَعَلٍ) حملوه على ضدّه، وهو الحَضَرُ، فقالوا: (بَدَويّ) كما قالوا: (حَضَريّ)"(8).
فهل نقول إنّهم صرّفوا على غير قياس؟ لعلنا لا نقول ذلك بل نقول إنّهم توسعوا في استعمالهم قياسًا في موضع قياس على سبيل الاستغناء بالشيء عن غيره، فهم استغنوا حين أرادوا جمع باطل بالجمع أباطيل عن بَواطِل، واستغنوا حين أرادوا تصغير أصيل بمصغر جمع جمعه أُصَيْلان، واستغنوا حين أرادوا النسب إلى بادية بالنسب إلى بدْو، وهو في الأصل مصدر