زُهاء حديد تهدّد تصميماً لمبنى البرلمان "يرمز إلى الديمقراطية" بتصميم من وحي "الجبال المتآكلة"
ما يزال شبح المعمارية العالمية عراقية الأصل زها حديد، يطارد مشروع البناية الجديدة لمجلس النواب بالرغم من حصولها على المركز الثالث في المسابقة التي فازت بها شركة بريطانية منافسة وحصلت مقابل تصميمها على 250 ألف دولار.
وكانت نتائج المسابقة الخاصة بتصميم المبنى الجديد للبرلمان الذي رصد لبنائه مليار دولار، قد أعلنت في 10 كانون الثاني 2013، وأسفرت عن فوز شركة اسيمبلاج اللندنية للهندسة المعمارية، في حين حلت حديد بالمركز الثالث.
والمفارقة أن النتائج أعلنت في خضم أوضاع سياسية بالغة الاضطراب يشهدها العراق على الأصعدة كافة، وتهديدات جديدة بحل البرلمان من قبل رئيس الحكومة وائتلافه دولة القانون.
وقد أطلقت المسابقة في تشرين الثاني من العام 2011، لتصميم مبنى جديد للبرلمان العراقي، يقام على مساحة نحو 50 هكتاراً على أرض مطار المثنى المتروك، وسط العاصمة بغداد، الذي كان من المقرر أن يبنى رئيس النظام السابق مسجده الضخم فيه، وكان العمل قد توقف بالمشروع قبل عشر سنوات منذ الغزو الأميركي، وما تبقى من البناء هو عدة أعمدة كونكريتية طول الواحدة منها 45 متراً، وبعض التأسيسات الأرضية التي أدخلها المعماريون الفائزون في مخططهم الجديد.
واشترطت المسابقة أن يعكس التصميم المعماري عظمة حضارة العراق وانبعاثه الجديد والمرحلة الانتقالية الحالية والمستقبلية ودوره المميز في الحضارة الإنسانية، فضلاً عن صورة "البهاء والصمود والشموخ".
وقد تنافست في المرحلة التمهيدية للمسابقة أكثر من 130 شركة معمارية، قلصت بعدها إلى 32 من قبل لجنة تحكيم، تدعى لجنة "ريبا"، ضمت المهندس بيرز غوف والمهندس سوناند براساد والمدير السابق لشركة كيب المهندس داي هيغ.
ويمثل التصميم الفائز بالمسابقة، بسلسلة من الأشكال الهندسية البسيطة البيضاء محاطة بنسيج من الشوارع والمداخل والمساحات الخضراء.
وقد تلقت شركة اسيمبلاج مبلغ الجائزة وقدره 250 ألف دولار في آب 2012 الماضي، لكن التصميم كشف عنه مؤخراً، بعد أن اتضح أن اللجنة ما تزال في مباحثات مع المنافس الذي حصل على المرتبة الثالثة وهي المعمارية العراقية زها حديد.
ويقول مدير شركة اسيمبلاج المهندس حنا كورليت، في تقرير أوردته صحيفة (ذي غارديان) البريطانية إن "مخطط البناية الجديدة ذات الطابقين المحاطة بالمساحات الخضراء، يعطي مسحة من البناء المعماري المدني للهيكل وليس كبناء ضخم فقط"، مشيراً إلى أن "التصميم يشتمل على مجموعة من الشوارع وساحات مفتوحة تضم مكاتب ودوائر حكومية بالإضافة إلى بنايات خدمية كمراكز صحية ومكتبات".
في حين يقول عضو اللجنة، بيريز غوف، إن "بناية البرلمان الرئيسة جذابة جداً حيث تشكل نوعاً من التواصل بين العامة وممثلي الحكومة وممرات واسعة تربط بين الأقسام والمكاتب تخلق فضاء يسمح بلقاءات جانبية مع مساحة كافية للتنقل في الموقع".
ويوضح غوف، أن "تصميم قاعة البرلمان الرئيسة الدائرية الشكل، تحاكي طراز بناء مدينة بغداد القديمة التي بنيت على شكل دائري"، مبيناً أن "المظهر الخارجي للقبة يحوي على ألواح مصفوفة بيضاء متناغمة الأبعاد تعطي منظراً خلاباً وتضم قاعتين شبه مدورة وهي القاعة الرئيسة وقاعة المجلس".
وكانت المعمارية العراقية المولد زها حديد، الذي يعتبر والدها عضو بارز في الحزب الديمقراطي الوطني للبلاد في الخمسينات من القرن الماضي، قد تم استدعاؤها لتوجيه بعض الاستفسارات الفنية وذلك في نهاية آب المنصرم.
وتقول الشركة اسامبليج إن "شروط المنافسة تسمح بأن يتم استشارة أي مشارك قدم تصاميم بغض النظر عن تسلسله في القائمة"، لافتة إلى أنه على هذا "الأساس فقط فإن زها حديد مستمرة بالإجابة على استفسارات اللجنة المعنية دون أن يتخذ أي قرار".
وبينما لم يكشف عن أي صور لتصاميم زها حديد، إلا أن صحيفة (ذي غارديان) تنقل عن المهندس غوف قوله إن تصميم حديد "يتبع الاسلوب المعماري في تصاميم الأبنية الضخمة وتصاميم النصب"، واصفا شكله بأنه على "شكل سلسلة من الجبال المتآكلة يمر من خلالها نهر يحاكي الفرات".وتعتبر زها حديد، المرشح الواضح بهذا التصميم الرمزي، لدولة "تنهض من الرماد"، ويؤكد الجميع أن حديد البالغة من العمر 62 سنة، تطمح بأن يكون "تصميمها هو الفائز"، لكن غوف يعتقد أن "اللجنة إذا غيرت رأيها واختارت تصميم حديد الذي يرمز للجبال المتآكلة، فهذا يضع التصميم الذي يرمز لدولة ديمقراطية ذات بناء مدني حديث للخطر".
بدوره يقول بيسلي "سأكون سعيداً لو بني مخططنا ويكون مبنى محبوب وجيد الاستخدام وسنكون سعداء لو لم يتذكر أحد من الذي صممه". والمعمارية زها حديد، المولودة في بغداد في الـ31 من تشرين الثاني 1950، لها شهرة واسعة في الأوساط المعمارية الغربية، وحاصلة على وسام التقدير من الملكة البريطانية، انتظمت كأستاذة زائرة أو أستاذة كرسي في عدة جامعات، وتسنى لها أن تحصل على شهادات تقديرية من أساطين العمارة مثل الياباني كانزو تانك، وقفز اسمها إلى مصاف فحول العمارة العالمية.
ومن أهم أعمالها نادي الذروة "كولون"، وتنفيذها لنادي مونسون بار في سابورو في اليابان 1988 وكذلك محطّة اطفاء "فيترا ويل أم رين" 1991. وأكثر مشاريعها الجديدة غرابة وإثارة للجدل مرسى السفن في باليرمو في صقلية 1999، والمسجد الكبير في عاصمة اوروبا ستراسبورغ، 2000 ومتحف الفنون الإسلامية في الدوحة وجسر في أبوظبي. تخرجت زها حديد من الجامعة الأميركية في بيروت في مادة الرياضيات قبل الالتحاق بكلية الهندسة المعمارية في لندن، وهي تحمل الجنسية البريطانية.
وتعد زها حديد التي أكملت دراستها الثانوية في مدرسة "الراهبات" وسط العاصمة العراقية بغداد من بين أشهر معماري العالم اليوم وواجهت بثقة النقد القاسي الذي يصف تصاميمها "بمهندسة قرطاس" غير قابلة للتنفيذ لصعوبتها.
وجاءت نجاحاتها المتصاعدة وحصولها على جوائز عالمية لتهمش النقد الأمر الذي دفع ملكة بريطانيا إلى منحها وسام التقدير الملكي.
ولا تحفل ذاكرة زها وهي ابنة وزير المالية العراقي محمد حديد أبان عقد الخمسينيات، بالكثير من المشاهد المعمارية العراقية لكنها تحب كثيراً نصب الحرية للفنان جواد سليم. وباستثناء تصميم متحف الفنون الإسلامية في الدوحة وجسر في أبوظبي وبرج في القاهرة فليس لزها حديد تصاميم أخرى في بلدها العراق والدول العربية الأخرى.
المصدر